محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{ٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَحۡمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلۡأَرۡحَامُ وَمَا تَزۡدَادُۚ وَكُلُّ شَيۡءٍ عِندَهُۥ بِمِقۡدَارٍ} (8)

وقوله تعالى :

[ 8 ] { الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار 8 } .

{ الله يعلم ما تحمل كل أنثى } جملة مستأنفة ، جواب سؤال وهو : لماذا لم يجابوا لمقترحهم فتنقطع حجتهم فلعلهم يهتدون بأنه آمر مدبر عليم نافذ القدرة فعال لما تقتضيه حكمته البالغة دون آرائهم السخيفة ؟ وهذا على أن ( الهادي ) بمعنى ( الداعي إلى الحق ) .

وإن كان المراد به الله سبحانه ، فالجملة تفسير لقوله { هاد } أو مقررة مؤكدة لذلك - كذا في ( العناية ) .

وأشار الرازي إلى أن الآية : إما متصلة بما قبلها مشيرة إلى أنه تعالى واسع العلم لا يخفى عليه اقتراحهم عناد وتعنت ، وأنهم لا يزدادون بإظهار مقترحهم إلا عنادا ، فلذا لم يجابوا / إليه . وإما متصلة بقوله { ويستعجلونك } يعني : أنه تعالى عالم بجميع المعلومات . فهو تعالى إنما ينزل العذاب بحسب ما يعلم أن فيه مصلحة .

ثم إن لفظ ( ما ) في قوله تعالى { ما تحمل } مصدرية أو موصولة ، أي : حملها أو ما تحمله من الولد ، على أي حالة هو من ذكورة وأنوثة ، وتمام وخداج ، وحسن وقبح ، وطول وقصر . . . وغير ذلك من الأحوال الحاضرة والمترقبة .

{ وما تغيض الأرحام } أي : تنقص من الحمل { وما تزداد } أي : تأخذه زائدا .

قال الزمخشري : ومما تنقصه الرحم وتزداده ، عدد الولد ، فإنها تشتمل على واحد . وقد تشتمل على اثنين وثلاثة وأربعة . ويروى أن شريكا كان رابع أربعة في بطن أمه ، ومنه جسد الولد فإنه يكون تاما ومخدجا . ومنه مدة ولادته فإنها تكون أقل من تسعة أشهر . وأزيد عليها ، ومنه الدم فإنه يقل ويكثر .

{ وكل شيء عنده بمقدار } أي : بقدر وحد لا يجاوزه حسب قابليته كقوله تعالى{[5058]} : { إنا كل شيء خلقناه بقدر } وقوله{[5059]} : { وخلق كل شيء فقدّره تقديرا } وذلك أنه تعالى خص كل مكوّن بوقت وحال معينين ، وهيأ لوجوده وبقائه أسبابا مسوقة إليه تقتضي ذلك .


[5058]:[54 / القمر / 49].
[5059]:[25 / الفرقان / 2].