نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَحۡمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلۡأَرۡحَامُ وَمَا تَزۡدَادُۚ وَكُلُّ شَيۡءٍ عِندَهُۥ بِمِقۡدَارٍ} (8)

ولما كان ما مضى مترتباً على العلم والقدرة ولا سيما ختم هذه الآية بهاد ، وكان إنكارهم البعث إنكاراً للنشأة{[43557]} الأولى ، وكان سبحانه وتعالى يعلم أن إجابتهم إلى ما اقترحوا غير نافع لهم ، لأنهم متعنتون لا مسترشدون ، شرع سبحانه - بعد الإعراض عن إجابة مقترحاتهم - يقرر من أفعاله المحسوسة لهم المقتضية لاتصافه من العلم والقدرة بما هو كالإعادة سواء إشارة منه تعالى إلى أن{[43558]} إنكار البعث إن{[43559]} كان لاستحالة الإعادة فهي مثل البداءة ، وإن كان لاستحالة{[43560]} تمييز التراب الذي كان منه الحيوان - بعد اختلاطه بغيره وتفرق أجزائه - فتمييز{[43561]} الماء الذي يكون منه الولد من الماء الذي لا يصلح لذلك أعجب ، لأن الماء أشد اختلاطاً وأخفى امتزاجاً ، ومع ذلك فهو يعلمه فقال : { الله } أي المحيط بكل شيء علماً{[43562]} وقدرة { يعلم } أي علماً قديماً في الأزل بما سيوجد وعلماً يتجدد تعلقه بحسب حدوث الحادثات على الاستمرار { ما تحمل } أي الذي تحمله في رحمها { كل أنثى } أي الماء الذي يصلح لأن يكون حملاً { وما تغيض } أي تنقص { الأرحام } من الماء فتنشفه فيضمحل لعدم صلاحيته{[43563]} لأن يكون{[43564]} منه ولد ، وأصل الغيض - كما قال الرماني : ذهاب المائع في العمق الغامض ، وفعله متعد لازم { وما تزداد } أي{[43565]} الأرحام من الماء على الماء الذي قدر تعالى كونه حملاً فيكون توأماً فأكثر في جماع آخر بعد حمل الأول كما صرح بإمكان ذلك ابن سينا وغيره من الأطباء ، وولدت في زماننا أتان حماراً وبغلاً ، وذلك لأن{[43566]} الزيادة ضم شيء إلى المقدار وكثرته شيئاً بعد شيء فيقدر ذلك ، ولا يمكن أحداً زيادته ولا نقصانه ، وذلك كله يستلزم الحكمة فلذا{[43567]} ختمه بقوله : { وكل شيء } أي من هذا وغيره من الآيات المقترحات وغيرها { عنده } أي في قدرته وعلمه { بمقدار * } في كيفيته وكميته لا يتجاوزه ولا يقصر عنه ، لأنه عالم بكيفية كل شيء وكميته على الوجه المفصل المبين ، فامتنع وقوع اللبس في تلك المعلومات وهو قادر{[43568]} على ما يريد منها ، فالآية بيان لقوله تعالى : { الذين كفروا بربهم } من حيث بين فيها{[43569]} تربيته لهم على الوجه الذي{[43570]} هم له مشاهدون وبه معترفون .


[43557]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: للنشارة.
[43558]:زيد من ظ.
[43559]:زيد من ظ ومد.
[43560]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: الاستحالة.
[43561]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: تمييز.
[43562]:زيد من ظ ومد.
[43563]:في ظ: ليكون.
[43564]:في ظ: ليكون.
[43565]:سقط من م.
[43566]:زيد من م.
[43567]:في ظ: ولذا، وفي مد: فلذلك.
[43568]:زيد من ظ و م ومد.
[43569]:زيد من ظ و م ومد.
[43570]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: الذين.