فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَحۡمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلۡأَرۡحَامُ وَمَا تَزۡدَادُۚ وَكُلُّ شَيۡءٍ عِندَهُۥ بِمِقۡدَارٍ} (8)

{ اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ ( 8 ) }

وجملة { اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى } مستأنفة مسوقة لبيان إحاطته سبحانه بالعلم وعلمه بالغيب الذي هذه الأمور منه . وقيل الاسم الشريف خبر ، أي لكل قوم هاد هو الله ، وجملة { يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى } تفسير لهاد ، وهذا بعيد جدا ، والعلم هنا متعد لواحد بمعنى العرفان وما موصولة ، أي يعلم الذي تحمله كل أنثى في بطنها من علقة أو مضغة أو ذكر أو أنثى أو صبيح أو قبيح أو سعيد أو شقي أو طويل أو قصير ، أو تام أو ناقص ، أو استفهامية ، أي يعلم أي شيء في بطنها وعلى أي حال هو ؛ أو مصدرية ، أي يعلم حملها .

{ وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ } وما في الموضعين محتملة للأوجه المتقدمة وغاض وازداد سمع تعدبهما ولزومهما ولك أن تدعي حذف العائد على القول بتعديهما وأن تجعل ما مصدرية على القول بلزومهما ، والغيض النقص وعليه أكثر المفسرين أي يعلم الذي تغيضه الأرحام أي تنقصه ، ويعلم ما تزداده لا يخفى عليه شيء من ذلك ولا من أوقاته وأحواله فقيل المراد نقص خلقة الحمل وزيادته كنقص أصبع أو زيادتها .

وقيل أن المراد نقص مدة الحمل عن تسعة أشهر أو زيادتها ، وقيل إذا حاضت المرأة في حال حملها كان ذلك نقصا في ولدها ، قاله ابن عباس وإذا لم تحض يزداد الولد وينمو فالنقصان نقصان خلقة الولد بخروج الدم والزيادة تمام خلقه باستمساك الدم ، وقال سعيد بن جبير : الغيض ما تنقصه الأرحام من الدم ، والزيادة ما تزداده منه ، وقال الضحاك : ما تغيض السقط وما تزداد ، ما زادت في الحمل على ما غاضت حتى ولدته تماما ؛ وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر ، ومنهن من تحمل تسعة أشهر ومنهن من تنقص ، فذلك الغيض والزيادة التي ذكر الله وكل ذلك يعلمه الله .

وقال مجاهد : الغيض خروج الدم ؛ والزيادة استمساكه ؛ ومدة الحمل أكثرها عند قوم سنتان ، وبه قالت عائشة وأبو حنيفة ، وقيل إن الضحاك ولد لسنتين ، وقيل أكثرها أربع سنين ، وإليه ذهب الشافعي وقيل خمس سنين ، وبه قال مالك وأقلها ستة أشهر ، وقد يولد لهذه المدة ويعيش .

{ وَكُلُّ شَيْءٍ } من الأشياء التي من جملتها الأشياء المذكورة { عِندَهُ } سبحانه { بِمِقْدَارٍ } هو القدر الذي قدره الله وهو معنى قوله سبحانه : { إنا كل شيء خلقناه بقدر } أي كل الأشياء عند الله سبحانه جارية على قدره الذي قد سبق وفرغ منه لا يخرج عن ذلك شيء ، وهذا مذهب السلف ، وقال الكرخي : هذه عندية علم ، أي يعلم كيفية كل شيء وكميته على الوجه المفصل المبين .

ويحتمل أن يكون المراد بالعندية أنه تعالى خصص كل حادث بوقت معين وحالة معينة بمشيئته الأزلية وإرادته السرمدية ، ويدخل في هذه الآية أفعال العباد وأحوالهم وخواطرهم وهي من أدل الدلائل على بطلان قول المعتزلة .