الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{ٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَحۡمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلۡأَرۡحَامُ وَمَا تَزۡدَادُۚ وَكُلُّ شَيۡءٍ عِندَهُۥ بِمِقۡدَارٍ} (8)

ثم قال تعالى ( جل ذكره ) {[35704]} : { إنه يعلم ما تحمل كل أنثى } الآية [ 8 ] المعنى : إنه {[35705]} ذكر عن قريش أنهم ينكرون البعث ، فذكرهم بعلمه { ما تحمل كل أنثى } ، وما يزيد الرحم في حمله {[35706]} على التسعة أشهر ، {[35707]} وما {[35708]} ينقص من التسعة أشهر {[35709]} . وإن من علم هذا قادر على إعادتكم بعد موتكم ، لأن الابتداء أصعب عندكم من الإعادة .

{ وكل شيء {[35710]} عنده بمقدار }[ 8 ] : أي : قدره ، ودبره ، فلا تنكروا {[35711]} البعث بعد الموت .

وقال قتادة : { تغيض الأرحام }[ 8 ] : هو ما يسقط من الأولاد قبل {[35712]} التسعة {[35713]} .

وقال مجاهد : الغيض : النقصان ، وذلك {[35714]} أن المرأة إذا أهرقت الدم ، وهي حامل ( انتقص ) {[35715]} المولود ، وإذا لم تهرق الدم ، عظم الولد وتم {[35716]} . وقال أيضا : ( إذا حاضت ) {[35717]} المرأة في حملها كان ( ذلك ) {[35718]} نقصانا {[35719]} في ولدها . فإن زادت على تسعة أشهر كان ذلك تماما لما نقص من ولدها {[35720]} .

وقال الحسن : الغيض أن تضع لثمانية أشهر ، وأقل الازدياد {[35721]} أن تز( ي )د {[35722]} على تسعة {[35723]} أشهر {[35724]} .

وعنه : ( أيضا ) {[35725]} أنه قال : ( الغيض الذي يولد لغير تمام {[35726]} ، وهو السقط . والاز( د ) {[35727]}ياد : ما ولد لتمام {[35728]} كقوله : { مختلفة وغير مختلفة } {[35729]} : أي تامة وغير تامة .

وقال ابن جبير : إذا حملت المرأة ، ثم حاضت نقص ولدها ، ثم تزداد في الحمل مقدار ما جاءها الدم فيه ، فتزيد على تسعة أشهر مثل أيام الدم {[35730]} .

وقال عكرمة : غيضها : الحيض على الحمل ، { وما تزداد }قال : تزداد كل يوم حاضته {[35731]} في حملها يوما طاهرا في حملها حتى توفي عدة حملها ، وهي طاهرة {[35732]} .

وعن مجاهد أيضا : غيضها دون التسعة أشهر ، والزيادة فوق التسعة أشهر {[35733]} . واجتمع {[35734]} العلماء على أن أقل مدة {[35735]} الحمل ستة أشهر {[35736]} .

واختلفوا {[35737]} في أكثره . فقال قوم : أكثره سنتان ، وهو مروي عن عائشة ( رضي الله عنها ) {[35738]} {[35739]} .

وروي عن الضحاك بن مزاحم ، وهرم بن حيان {[35740]} أنهما قاما {[35741]} كل واحد منهما في بطن أمه سنتين {[35742]} .

وقال الليث بن سعد {[35743]} : أكثر الحمل ثلاث سنين {[35744]} .

وحكي أن مولاةً لعمر بن عبد العزيز ، ( رضي الله عنه ) {[35745]} حملت ثلاث سنين .

وقال الشافعي مدته : أربع سنين {[35746]} .

وروي عن مالك : مثل {[35747]} قول الشافعي ( رضي الله عنهما ) {[35748]} .

وروي أيضا عن مالك أنه قال : خمس سنين {[35749]} ، وحكي عن امرأة ابن عجلان {[35750]} أنها كانت تحمل خمس سنين {[35751]} .

وقال الزهري : المرأة {[35752]} تحمل ست سنين ، وسبع سنين {[35753]} .

وقال قوم : لا يجوز التحديد ( في هذا ) {[35754]} ، ومذهب الشافعي/ ، ومالك : أن الحامل تحيض {[35755]} .

وقال عطاء {[35756]} ، والشعبي {[35757]} ، والحكم ، وحماد {[35758]} ، وغيرهم : الحامل لا تحيض {[35759]} ، ولو حاضت ما جاز أن تستبرئ الأمة بحيضة ، واستبراء الأمة ( بحيضة ) {[35760]} إجماع . فلا يعترض به على من أجاز حيض الحامل ، لأن الأمة خرجت بالإجماع على استبرائها بحيضة {[35761]} .


[35704]:ساقط من ق.
[35705]:ط: الله.
[35706]:ط: وبما يزيد الرحم في حملها. ق: في حمله.
[35707]:في النسختين معا: الأشهر، ولعل الصواب ما أثبت.
[35708]:ط: وبما.
[35709]:وهو قول سعيد بن جبير في: جامع البيان 16/354-355، ولم ينسباه في معاني الفراء 2/59، ومعاني الزجاج 3/140.
[35710]:ط: مطموس.
[35711]:ق: نتكر.
[35712]:ق: وقبل.
[35713]:انظر هذا القول في: جامع البيان 16/264 والجامع 9/190.
[35714]:ق: وكذلك.
[35715]:ساقط من ق.
[35716]:انظر هذا القول في: تفسير مجاهد 404، وجامع البيان 16/360.
[35717]:ساقط من ق.
[35718]:انظر المصدر السابق.
[35719]:ق: نقصان.
[35720]:انظر هذا القول في: جامع البيان 16/360.
[35721]:ق: الازدياد.
[35722]:ساقط من ق.
[35723]:ط: مطموس.
[35724]:انظر هذا القول في: جامع البيان 16/363.
[35725]:ساقط من ق.
[35726]:ق: بحمام.
[35727]:ساقط من ق.
[35728]:وهو قول مجاهد في: جامع البيان 16/360.
[35729]:الحج: 5.
[35730]:انظر هذا القول في: جامع البيان 16/364-365، والجامع 9/188.
[35731]:ق: حاضتها.
[35732]:انظر هذا القول في: جامع البيان 16/362.
[35733]:انظر هذا القول في: جامع البيان 16/368.
[35734]:ط: وجمع.
[35735]:ط: لمندة.
[35736]:انظر هذا الإجماع في: بداية المجتهد 2/352. ومن المشهور عن عمر بن الخطاب أنه أمر برجم امرأة وضعت لستة أشهر، فرد عليه علي قائلا: إن الله يقول: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} وقال: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} فيؤخذ منهما معا: أن أقل الحمل ستة أشهر، فكان عمر يقول: لولا علي لهلك عمر. انظر: الفكر السامي 1/242.
[35737]:ط: واختلف.
[35738]:ساقط من ط.
[35739]:انظر: جامع البيان 16/364، والجامع 9/189.
[35740]:ق: ومرمر.
[35741]:ط: أمام.
[35742]:انظر قول الضحاك في: جامع البيان 16/365، وفي الجامع 9/189 أن هرما سمي كذلك لأنه بقي في بطن أمه أربع سنين.
[35743]:هو أبو الحارث بن عبد الرحمن، إمام أهل مصر في عهده، عالم، فقيه، ومحدث ثقة (ت 175 هـ) انظر: تذكرة الحفاظ 1/224، وميزان الاعتدال 3/433، ووفيات الأعيان 3/423.
[35744]:انظر هذا القول في: الجامع 9/189.
[35745]:ساقط من ط.
[35746]:ق: أربعة. وانظر: جامع البيان: 9/189.
[35747]:ق: مثله مثل.
[35748]:انظر: الجامع: 9/189.
[35749]:انظر هذا القول في: جامع البيان 9/189.
[35750]:هو أبو عبد الله، حمد بن عجلان، محدث، ثقة، روى عن زيد بن أسلم، وحدث عنه الإمام مالك (ت148 هـ) انظر: التهذيب 9/341.
[35751]:ورد في الجامع: 9/189، روايتان، الأولى: أنها كانت تحمل وتضع في أربع سنين، والثانية أ، الجنين مكث في بطن أمه ثلاث سنين.
[35752]:ط: والمرة.
[35753]:انظر هذا القول في: الجامع 9/189.
[35754]:ساقط من ط.
[35755]:انظر: المحرر 10/17، والجامع 9/188.
[35756]:هو أبو محمد عطاء بن أبي رباح القرشي، تابعي، مفسر، روى عن: ابن عباس، وأبي هريرة، وحدث عنه: ابن إسحاق، وغيره (ت114 هـ) انظر: طبقات ابن سعد 5/344. وصفة الصفوة 2/211.
[35757]:ق: الشافعي وهو تحريف.
[35758]:هو أبو اسماعيل، حماد بن أبي سليمان، مولى إبراهيم بن أبي موسى الأشعري، أخذ الفقه عن النخعي حتى صار أفقه أصحابه، وروى عنه الحديث والفقه: الإمام أبو حنيفة (ت 119 هـ) وقيل: 120، انظر: طبقات الشيرازي 83، والفهرست 299.
[35759]:انظر: قول عطاء، والشعبي في: الجامع 9/188.
[35760]:ساقط من ق.
[35761]:إن أهم القضايا الكبرى للفقه الإسلامي اليوم مواءمته للواقع المعيش، حتى يصير منسجما مع روح العصر ومتطلباته، غير متصادم مع أسس الشرع، وموازينه. وضمن هذا الإطار تبدو قضايا مثل: الاستثمارات البنكية، والمضاربات العقارية، والتلقيح الصناعي للجنين، والسياحة وسواها. ضروري أن يَبُتَّ فيها الشرع الحنيف، ويبين حدود حليتها، أو حرمتها، وقبل ذلك على علمائه الأفذاذ أ، يفهموا ملابساتها، ويحيطوا بدقائقها العلمية، وتصريفها العملي على مستوى الواقع. ومن مثل هاته القضايا ما سبق لفقهائنا الأعلام أن عالجوه واستفرغوا فيه جهدهم مأجورين من أجل حله، ووضعه في إطاره الشرعي. إلا أنه – اليوم - يبدو ناشزا بالقياس إلى ما توصل إليه العلم الحديث في مجاله كالحساب الفلكي، لإثبات رؤية الهلال، والآراء الفقهية لرؤى علماء السلف رضوان الله عليهم حول الآية الكريمة: {الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار} الرعد[8]. وأقوال الفقهاء حولها يمكن تأطيرها ضمن مسألتين: الأولى: أن الحامل تزيد في حملها على تسعة أشهر، بل وقد يمكث الجنين في بطنها سنتين، وثلاث، وأربع، وحتى خمس سنين، كما سبق تخريجه ابتداء من الهامش 12 من الصفحة 3624. والثانية: هي حيضها أثناء الحمل، وانعكاس ذلك على الجنين. ففيما يخص المسألة الأولى ثبت طبيا، وبأدلة دامغة، وبوسائل إجرائية دقيقة، أن حساب الحمل من أول يوم يقع فيه التلقيح بين بويضة المرأة وماء الرجل، إلى آخر مدة الحمل هو 5،281 يوما أي أربعون أسبوعا. وهذا هو المعدل الطبيعي لعموم النساء. إلا أن هذا الوقت يمكن أن يطول في أحوال نادرة لمدة أسبوعين آخرين، وليس أكثر. وآنئذ يضطر الطبيب المختص لإجراء ما يلزم من أجل إخراج الجنين، الذي غالبا ما يكون في هذه الحالة ميتا, والجنين الميت يمكن أن يبقى في بطن أمه مدة أطول من ذلك. وبذا يمكن القول: بأن جميع تلك الآراء الفقهية السابق ذكرها في المتن، لم تعد تنسجم مع العصر في ظل تطور علوم الطب والأجنة، ذلك التطور الذي من شأنه أن يوحد الآراء. وهذا لا يعني التعسف في الالتجاء إلى كل ما دب وهب من تطور في العلوم، كما لا يعني تكذيب فقهائنا الأعلام، ولا التنقيص من قدرهم، بل يجب وضع أقولهم في إطار ظرفها التاريخي والسعي – ما أمكن – لإيجاد صيغة مقبولة لتفسيرها. ومن أهمها – والله أعلم – أنهم كانوا يعتقدون أن المرأة تكون حاملا بمجرد انقطاع دم الحيض عنها، في حين أنهم لم يكونوا يعلمون ما نعلمه اليوم من أن لذلك الانقطاع أسبابا متعددة: منها ما يتعلق بأمراض الرحم التي تصيبه، كما تصيب المثانة، أو المبيض بالأورام، والالتهابات التعفنية، الناتجة عن الجراثيم المختلفة. ومنها أسباب متعلقة بالجنين وحاشيته: كضعف تكوينه، وتشويه خلقته، ووجود المشيمة - وهي الغشاء الذي يكون فيه الجنين، ويتغذى منه – قرب فم الرحم، أو تغير مكانها الطبيعي ومنها أيضا ما يتعلق بمرض دموي للأم. ومنها أيضا – وهذا هو الشائع المعروف – أن كثيرا من النساء المرضعات ينقطع عنهن الدم خلال مدة الرضاعة. فالراجح أن ذلك وأمثاله من الأسباب السابقة، كان يظن لدى فقهاء السلف على أنه داخل في مدة الحمل سواء استمر سنة، أم سنتين، أم ثلاثا، أم أربعا في في أبعد الأقوال. نضيف إليه المدة الطبيعية التي تبدأ مباشرة بعد التلقيح، وتدوم بالطبع تسعة أشهر. فيصير المجموع على حسب اعتقادهم سنتين في القول الأول، وثلاث سنوات في القول الثاني، وأربع سنوات في القول الثالث، وخمسا في القول الأخير. أما المسألة الثانية الواردة في آراء الفقهاء حول تفسير الآية فتتعلق بحيض المرأة الحامل. والرأي الطبي المعتمد أن الحامل لا تحيض. بمعنى الحيض العادي، المتمثل في الدورة الشهرية المنتظمة، وإنما الذي يحدث أحيانا بشكل منتظم، فيفسر على أنه حيض، والواقع أنه غير ذلك. ومن شأن هذا النزيف أن يكون له تأثير كبير على الجنين، ولاسيما في حالة ما إذا كان ذلك له علاقة بنقص هرمونات الولادة مما ينتج عنه: إجهاض، أو ولادة قبل الأوان، أو ولادة جنين ضعيف البنية، أو مشوه الخلقة. وقد يموت الجنين، إما داخل الرحم أو بعد الولادة، لاسيما إذا لم تكن هناك مساعدة استعجالية من طرف طبيب متخصص. وقد لا يؤثر الدم في الجنين في ما يتعلق بوزنه إذا لم تكن له علاقة بنقص هرمونات الولاة. وبهذا نستنتج أن قول مجاهد في تفسير (الغيض) راجح، وله نصيب وافر من الصحة. وفي الأخير أود أن أضيف احتمالا ضعيفا بالنسبة لعصر التابعين، وعصر مالك والشافعي، وقويا بالنسبة لعصرنا، وذلك لتبرير طول مدة الحمل، ومكوثه أكثر من تسعة أشهر، ألا وهو الخيانة الزوجية. ملاحظة: أشكر السادة الأطباء المختصين على إمدادي بهذه المعلومات الطبية اللازمة، لحل هذه المشكلة الفقهية، وهم: الأساتذة المبرزون في التوليد، وأمراض النساء السادة: / البقالي القاسمي عبد الرحمن، الودغيري عبد الحي. والسادة الأطباء المختصون: بنزكري، ونبيل لحلو، ونجيب باعدي. وللاستزادة والتعمق ينظر كتاب فن التوليد.