المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لَهُۥ عَلَيۡهِم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يُؤۡمِنُ بِٱلۡأٓخِرَةِ مِمَّنۡ هُوَ مِنۡهَا فِي شَكّٖۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَفِيظٞ} (21)

21- وما كان لإبليس عليهم من قوة يخضعهم بها ، ولكن الله امتحنهم ليُظهر من يُصدق بالآخرة ممن هو منها في شك . وربك - أيها النبي - على كل شيء رقيب قائم على كل أمر .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لَهُۥ عَلَيۡهِم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يُؤۡمِنُ بِٱلۡأٓخِرَةِ مِمَّنۡ هُوَ مِنۡهَا فِي شَكّٖۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَفِيظٞ} (21)

قال الله تعالى :{ وما كان له عليهم من سلطان } أي : ما كان تسليطنا إياه عليهم ، { إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك } أي : إلا لنعلم ، أي لنرى ونميز المؤمن من الكافر ، وأراد علم الوقوع والظهور ، وقد كان معلوماً عنده بالغيب ، { وربك على كل شيء حفيظ } رقيب .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لَهُۥ عَلَيۡهِم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يُؤۡمِنُ بِٱلۡأٓخِرَةِ مِمَّنۡ هُوَ مِنۡهَا فِي شَكّٖۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَفِيظٞ} (21)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مّن سُلْطَانٍ إِلاّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالاَخِرَةِ مِمّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكّ وَرَبّكَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ حَفُيظٌ } .

يقول تعالى ذكره : وما كان لإبليس على هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم من حُجة يضلهم بها ، إلا بتسليطناه عليهم ، لُيعلم حزبُنا وأولياؤنا مَنْ يُؤْمِنُ بالاَخِرَةِ يقول : من يصدّق بالبعث والثواب والعقاب مِمّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكَ فلا يُوقِن بالمعاد ، ولا يصدّق بثواب ولا عقاب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ قال : قال الحسن : والله ما ضربهم بعصا ولا سَيف ولا سَوْط ، إلا أمانيّ وغرورا دعاهم إليها .

قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : إلاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بالاَخِرَةِ مِمّنْ هُوَ مِنْها فِي شكّ قال : وإنما كان بلاءً ليَعلم الله الكافر من المؤمن .

وقيل : عُنِي بقوله : إلاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بالاَخِرَةِ إلا لنعلم ذلك موجودا ظاهرا ليستحقّ به الثواب أو العقاب .

وقوله : وَرَبّكَ على كُلّ شَيْءٍ حَفِيظٌ يقول تعالى ذكره : وربك يا محمد على أعمال هؤلاء الكفرة به ، وغير ذلك من الأشياء كلها حَفِيظٌ لا يعزب عنه علم شيء منه ، وهو مُجازٍ جميعَهم يوم القيامة ، بمِا كسبوا في الدنيا من خير وشرّ .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لَهُۥ عَلَيۡهِم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يُؤۡمِنُ بِٱلۡأٓخِرَةِ مِمَّنۡ هُوَ مِنۡهَا فِي شَكّٖۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَفِيظٞ} (21)

قوله : { وما كان له عليهم من سلطان } أي ما كان للشيطان من سلطان على الذين اتبعوه .

وفعل { كان } في النفي مع { مِن } التي تفيد الاستغراق في النفي يفيد انتفاء السلطان ، أي المِلك والتصريف للشيطان ، أي ليست له قدرة ذاتية هو مستقل بها يتصرف بها في العالم كيف يشاء لأن تلك القدرة خاصة بالله تعالى .

والاستثناء في قوله : { إلا لنعلم } استثناء من علل . فيفيد أن تأثير وسوسته فيهم كان بتمكين من الله ، أي لكن جعلنا الشيطان سبباً يتوجه إلى عقولهم وإرادتهم فتخامرها وسوستُه فيتأثر منها فريق وينجو منها فريق بما أودع الله في هؤلاء وهؤلاء من قوة الانفعال أو الممانعة على حسب السنن التي أودعها الله في المخلوقات .

ويجوز أن يكون الاستثناء من عموم سلطان ، وحذف المستثنى ودلّ عليه علته والتقدير : إلا سلطاناً لنعلم من يؤمن بالآخرة . فيدل على أنه سلطان مجعول له بجعل الله بقرينة أن تعليله مسند إلى ضمير الجلالة .

وانظر ما قلناه عند قوله تعالى : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين } في سورة الحجر ( 42 ) وضُمَّه إلى ما قلناه هنا .

واقتُصر من علل تمكين الشيطان من السلطان على تمييز مَن يؤمن بالآخرة ومَن لا يؤمن بها لمراعاة أحوال الذين سبقت إليهم الموعظة بأهل سَبا وهم كفار قريش لأن جحودهم الآخرة قرين للشرك ومساو له فإنهم لو آمنوا بالآخرة لآمنوا بربها وهو الرب الواحد الذي لا شريك له ، وإلا فإن علل جعل الشيطان للوسوسة كثيرة مرجعها إلى تمييز الكفار من المؤمنين ، والمتقين من المعرضين . وكني ب نعلم عن إظهار التمييز بين الحالين لأن الظهور يلازم العلم في العرف . قال قبيصة الطائي من رجال حرب ذي قار :

وأقبلت والخطيُّ يَخطِر بيننا *** لأعَلَم مَن جبانها من شجاعها

أراد ليتميز الجبان من الشجاع فيعلمه الناس ، فإن غرضه الأهم إظهار شجاعة نفسه لثقته بها لا اختبار شجاعة أقرانه وإلا لكان متردداً في إقدامه . فالمعنى : ليظهر من يؤمن بالآخرة ويتميز عمّن هو منها في شك فيعلمه من يعلمه ويتعلق علمنا به تعلقاً جُزئياً عند حصوله يترتب عليه الجزاء فقد ذكرنا فيما تقدم أن لا محيص من اعتبار تعلق تنجيزيّ لعلم الله . ورأيت في الرسالة « الخاقانية » لعبد الحكيم السلكوتي أن بعض العلماء أثبت ذلك التعلق ولم يعين قائله . وخولف في النظم بين الصلتين فجاءت جملة { من يؤمن بالآخرة } فعلية ، وجاءت جملة { هو منها في شك } اسمية لأن الإِيمان بالآخرة طارىء على كفرهم السابق ومتجدد ومتزايد آنا فآنا . فكان مقتضى الحال إيراد الفعل في صلة أصحابه .

وأما شكهم في الآخرة فبخلاف ذلك هو أمر متأصل فيهم فاجتلبت لأصحابه الجملة الإسمية .

وجيء بحرف الظرفية للدلالة على إحاطة الشك بنفوسهم ويتعلق قوله : { منها } بقوله : « بشك » .

وجملة { وربك على كل شيء حفيظ } تذييل . والحفيظ : الذي لا يخرج عن مقدرته ما هو في حفظه ، وهو يقتضي العلم والقدرة إذ بمجموعهما تتقوم ماهية الحفظ ولذلك يُتبع الحفظ بالعلم كثيراً كقوله تعالى : { إني حفيظ عليم } [ يوسف : 55 ] . وصيغة فعيل تدل على قوة الفعل وأفاد عموم { كل شيء } أنه لا يخرج عن علمه شيء من الكائنات فتنزل هذا التذييل منزلة الاحتراس عن غير المعنى الكنائي من قوله : { لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك } ، أي ليظهر ذلك لكل أحد فتقوم الحجة لهم وعليهم .