سورة مدنية إلا الآيات 52 ، 54 ، 55 ، وآياتها ثمان وسبعون آية .
بدأت بالتخويف من الله ، والتذكير بأهوال القيامة ، والتعريف بالمجادلين بالباطل والجهل . وعقبت ذلك بسوق دليل البعث مصورا في تطور خلق الإنسان وخروج النبات ، وتعرضت للمخاصمة في الله ونتيجتها . وذكرت الحج وتعظيم الشعائر . وبعد ذلك أذن الله فيها للمؤمنين بالقتال الدفاعي . وأتبع ذلك بمواساة الرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من قومه بذكر ما أصاب الرسل قبله من عنت واضطهاد . وبين آيات السورة على قدرته تعالى ووحدانيته ، وتحديد لوظيفة الرسل . وأنها الإنذار دون الإكراه . وفي ختام السورة تحدث الشركاء المزعومين تسفيها لعقول المشركين بأنهم عاجزون عن خلق أضعف مخلوق وهو الذباب ، وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستخلصونه منه . ودعت إلى الصلاة ، والزكاة ، والعبادة ، والجهاد في غير حرج يقصد فهو دين أبيكم إبراهيم والد إسماعيل الذي توالدت منه العدنانية ، وعاقبة أمركم أن يشهد عليكم رسولكم بالتبليغ ، وتشهدون على الأمم السابقة أن رسلها بلغتها كما جاءكم به القرآن . وختمت السورة بطلب الاعتصام بالله ، فهو نعم المولى ونعم النصير .
1- يا أيها الناس : احذروا عقاب ربكم ، وتذكروا دائماً يوم القيامة ، لأن الاضطراب الذي يحدث فيه شديد مزعج ترتجف منه الخلائق .
سورة الحج مدنية إلا ( ومن الناس من يعبد الله ) الآيتين أو ( إلا هذان خصمان ) الست آيات فمدنيات وهي أربع أو خمس أو ست أو سبع أو ثمان وسبعون آية .
قوله تعالى : { يا أيها الناس اتقوا ربكم } أي : احذروا عقابه بطاعته { إن زلزلة الساعة شيء عظيم } والزلزلة والزلزال شدة الحركة على الحال الهائلة ، واختلفوا في هذه الزلزلة : فقال علقمة والشعبي : هي من أشراط الساعة . وقيل : قيام الساعة . وقال الحسن و السدي : هذه الزلزلة تكون يوم القيامة . وقال ابن عباس : زلزلة الساعة قيامها فتكون معها .
بِسمِ اللّهِ الرحمَن الرّحِيمِ
القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمْ إِنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلّ مُرْضِعَةٍ عَمّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النّاسَ سُكَارَىَ وَمَا هُم بِسُكَارَىَ وَلََكِنّ عَذَابَ اللّهِ شَدِيدٌ } .
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : يا أيها الناس احذروا عقاب ربكم بطاعته ، فأطيعوه ولا تعصُوه ، فإن عقابه لمن عاقبه يوم القيامة شديد . ثم وصف جلّ ثناؤه هول أشراط ذلك اليوم وبدوّه ، فقال : إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةٍ شَيْءٌ عَظِيمٌ .
واختلف أهل العلم في وقت كون الزلزلة التي وصفها جلّ ثناؤه بالشدّة ، فقال بعضهم : هي كائنة في الدنيا قبل يوم القيامة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، في قوله : إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ قال : قبل الساعة .
حدثني سليمان بن عبد الجبار ، قال : حدثنا محمد بن الصلت ، قال : حدثنا أبو كدنية ، عن عطاء ، عن عامر : يا أيّها النّاسُ اتقُوا رَبّكُمْ إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظيمٌ قال : هذا في الدنيا قبل يوم القيامة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جُرَيج في قوله : إنّ زَلْزَلَةَ السَاعَةِ فقال : زلزلتها : أشراطها . . . الاَيات يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلّ ذَاتِ حَمْلٍ حَملَها وَتَرَى الناسَ سُكارَى وَما هُمْ بِسُكارَى .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن عامر : يا أيّها النّاسُ اتّقُوا رَبكُمْ إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ قال : هذا في الدنيا من آيات الساعة .
وقد رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بنحو ما قال هؤلاء خبر ، في إسناده نظر وذلك ما :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن إسماعيل بن رافع المدني ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن رجل من الأنصار ، عن محمد بن كعب القُرَظيّ ، عن رجل من الأنصار ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لمَا فَرَغَ اللّهُ منْ خَلْقِ السمَوَاتِ والأرْضِ ، خَلَقَ الصّوْرَ فأعْطاهُ إسْرَافِيلَ ، فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلى فيهِ ، شاخِصٌ بِبَصَرِهِ إلى العَرْشِ ، يَنْتَظِرُ مَتى يُؤْمَرُ . » قال أبو هريرة : يا رسول الله ، وما الصور ؟ قال : «قَرْنٌ » . قال : وكيف هو ؟ قال : «قَرْنٌ عَظِيمٌ يُنْفَخُ فيهِ ثَلاثّ نَفَخاتٍ ، الأُولى : نَفْخَةُ الفَزَعِ ، والثانيَةُ : نَفْخَةُ الصّعْقِ ، والثالِثَةُ : نَفْخَةُ القِيامِ لِرَبّ العالَمِينَ . يَأْمُرُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ إسْرافيلَ بالنّفْخَةِ الأُولى ، فَيَقُولُ : انْفُخْ نَفْخَةَ الفَزَعِ فَيَفْزَعُ أهْلُ السّمَواتِ والأَرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ الله ، ويَأْمُرُ اللّهُ فَيُدِيمُها وَيُطَوّلها ، فَلا يَفْتُرُ ، وَهِيَ التِي يَقُولُ اللّهُ : ما يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ما لَهَا مِنْ فَوَاقٍ فَيُسَيّرُ اللّهُ الجِبالَ فَتَكُونُ سَرَابا ، وَتُرَجّ الأرْضُ بأهلها رَجّا ، وَهِيَ الّتِي يَقُولُ اللّهُ : يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ تَتْبَعُها الرّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ ، فَتَكُونُ الأرْض كالسّفِينَةِ الموبَقَةِ في البَحْرِ تَضْرِبُها الأَمْوَاجُ تُكْفَأُ بأَهْلها ، أوْ كالقِنْديلِ المُعَلّقِ بالعَرْشِ تُرَجّحُهُ الأَرْوَاحُ فَتَمِيدُ الناسُ عَلى ظَهْرِها فَتَذْهَلُ المَرَاضِعُ ، وَتَضَعُ الحَوَامِلُ ، وَتَشِيبُ الولْدَانُ ، وَتَطيرُ الشياطِينُ هارِبَةً حتى تَأْتي الأَقْطار فَتَلَقّاها المَلائِكَةُ فَتَضْرِبُ وُجُوهَها ، فَترْجِعُ وَيُوَلّي النّاس مُدْبِرِينَ يُنادِي بَعْضَهُمْ بَعْضَا ، وَهُوَ الذِي يَقُولُ اللّهُ : يَوْمَ التنادِ يَوْمَ تُوَلّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عاصمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هادٍ فَبَيْنَما هُمْ عَلى ذلكَ ، إذْ تَصَدّعَتِ الأرْضُ مِنْ قُطْرٍ إلى قُطْرٍ ، فَرَأوْا أمْرا عَظِيما ، وأَخَذَهُمْ لِذَلكَ مِن الكَرْبِ ما اللّهُ أعْلَمُ بِهِ ، ثُمّ نَظَرُوا إلى السّماءِ فإذَا هِيَ كالمُهْلِ ، ثُم خُسِفَ شمْسُها وخُسِفَ قَمَرُها وَانْتَثرَتْ نُجُومُها ، ثُمّ كُشِطَتْ عَنْهُمْ » قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «والأمْوَاتُ لا يَعْلَمُون بِشَيْءٍ مِنْ ذلكَ » فقال أبو هريرة : فمن استثنى لله حين يقول : فَفَزِعَ مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ ؟ قال : «أُولَئِكَ الشّهَدَاءُ ، وإنّمَا يَصلُ الفَزَعُ إلى الأحْياء ، أُولَئِكَ أحْياءٌ عِنْدَ رَبّهمْ يُرْزَقُونَ ، وَقاهُمُ اللّهُ فَزَعَ ذلكَ اليَوْم وآمَنَهُمْ . وَهُوَ عَذَابُ اللّهِ يَبْعَثُهُ عَلى شِرَارِ خَلْقِهِ ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ : يا أيها النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمْ إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ . . . إلى قوله : وَلَكِنّ عَذَابَ اللّهِ شَدِيدٌ » .
وهذا القول الذي ذكرناه عن علقمة والشعبيّ ومن ذكرنا ذلك عنه قولٌ ، لولا مجيء الصحاح من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلافه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بمعاني وحي الله وتنزيله . والصواب من القول في ذلك ما صحّ به الخبر عنه . ذكر الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا :
حدثني أحمد بن المقدام ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت أبي يحدّث عن قتادة ، عن صاحب له حدّثه ، عن عمران بن حُصين ، قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه وقد فاوت السّير بأصحابه ، إذ نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الاَية : «يا أيّها النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمْ إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ » . قال : فحَثّوا المطيّ ، حتى كانوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «هَلْ تَدْرُونَ أيّ يَوْمٍ ذَلكَ ؟ » قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : «ذلكَ يَوْمَ يُنادَى آدَمُ ، يُنادِيهِ رَبّهُ : ابْعَثْ بَعْثَ النارِ ، مِنْ كُلّ ألْفٍ تِسْعَ مِئَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ إلى النّارِ » قال : فأبلس القوم ، فما وضح منهم ضاحك ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «ألا احْمَلُوا وأبْشِرُوا ، فإنّ مَعَكُمْ خَلِيقَتَيْنِ ما كانَتا فِي قَوْمٍ إلاّ كَثَرَتاهُ ، فَمَنْ هَلَكَ مِنْ بَني آدَمَ ، وَمَنْ هَلَكَ مِنْ بَني إبْلِيسَ وَيأْجُوجَ وَمأْجُوجَ » . قال : «أبْشِرُوا ، ما أنْتُمْ فِي النّاسِ إلاّ كالشّامَةِ فِي جَنْبِ البَعِيرِ ، أو كالرّقْمة في جَناحِ الدّابَة » .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا هشام بن أبي عبد الله ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم . وحدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : حدثنا أبي وحدثنا ابن أبي عديّ ، عن هشام جميعا ، عن قَتادة ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين ، عن البنيّ صلى الله عليه وسلم بمثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا محمد بن بشر ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قَتادة ، عن العلاء بن زياد عن عمران ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن ، قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قفل من غزوة العُسْرة ، ومعه أصحابه ، بعد ما شارف المدينة ، قرأ : يا أيّها النّاسُ اتقُوا رَبكُمْ إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَها . . . الاَية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أتَدْرُونَ أيّ يوم ذَاكُمْ » ؟ قيل : الله ورسوله أعلم . فذكر نحوه ، إلا أنه زاد : «وإنّهُ لَمْ يَكُنْ رَسُولانِ إلاّ كانَ بَيْنَهُما فَتْرَةٌ مِنَ الجاهِلِيّةِ ، فَهُمْ أهْلُ النّارِ وإنّكُمْ بينَ ظَهْرَانْي خَلِيقَتَيْنِ لا يُعادّهما أحدٌ مِنْ أهْلِ الأرْضِ إلاّ كَثَرُوهُمْ ، وَهُمْ يَأْجُوجُ وَمأجُوجُ ، وَهُمْ أهْلُ النارِ ، وَتَكْمُلُ العِدّةُ مِنَ المُنافِقِينَ » .
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الأعمش ، عن أبي صالح عن أبي سعيد ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «يُقالُ لاَدَمَ : أخْرِجْ بَعْثَ النّار ، قالَ : فَيَقُولُ : وَما بَعْثُ النّارِ ؟ فَيَقُولُ : مِنْ كُلّ ألْفٍ تِسْعَ مئَةٍ وتِسْعَةً وَتِسْعِينَ . فَعِنْدَ ذلكَ يَشِيبُ الصّغِيرُ ، وَتَضَعُ الحاملُ حَمَلها ، وَتَرَى النّاسَ سُكارَى وَما هُمْ بِسُكارَى ، وَلَكِنّ عَذَابَ اللّهِ شَديدٌ » . قالَ : قُلْنا فَأين الناجي يا رسول الله ؟ قال : «أبْشِرُوا فإنّ وَاحِدا منْكُمْ وألْفا منْ يَأْجُوجَ وَمأجُوجَ » . ثُمّ قالَ : «إنّي لأَطْمَعُ أنْ تَكُونُوا رُبُعَ أهلِ الجَنّةِ » فَكَبّرْنا وحَمِدْنا اللّهَ . ثم قال : «إنّي لأَطْمَعُ أنْ تكُونُوا ثُلُثَ أهْلِ الجَنةِ » فكَبّرْنا وحَمِدْنا اللّهَ . ثم قال : «إنّي لأطْمَعُ أنْ تَكُونُوا نِصْفَ أهْلِ الجَنةِ إنّمَا مَثَلُكُمْ فِي النّاسِ كمَثَلِ الشّعْرَةِ البَيْضَاءِ في الثّوْرِ الأسْوَدِ ، أو كَمَثلِ الشّعْرَةِ السّوْدَاءِ فِي الثوْرِ الأبْيَضِ » .
حدثنا أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخُدْريّ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يَقُول اللّهُ لاَدَمَ يَوْمَ القِيامَةِ » ثم ذكر نحوه .
حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرمليّ ، قال : حدثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحشر ، قال : «يقولُ اللّهُ يَوْمَ القِيامَةِ يا آدَمُ فَيَقُولُ : لَبّيْكَ وَسَعْدَيْكَ والخَيْرُ بِيَدَيْكَ فَيَقُولُ : ابْعَثْ بَعْثا إلى النّارِ » . ثم ذكر نحوه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة ، عن أنس قال : نزلت يا أيّها النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمْ إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ . . . حتى إلى : عَذَابَ اللّهِ شَدِيدٌ . . . الاَية على النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو في مسير ، فرجّع بها صوته ، حتى ثاب إليه أصحابه ، فقال : «أتَدْرُونَ أيّ يَوْمٍ هَذَا ؟ هَذَا يَوْمَ يَقُولُ اللّهُ لاَدَمَ : يا آدَمُ قُمْ فابْعَثَ النارِ مِنْ كُلّ ألْفٍ تِسْعَ مئَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ » فكُبر ذلك على المسلمين ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «سَدّدُوا وَقارِبُوا وأبْشِرُوا فَوَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ما أنْتُمْ فِي الناسِ إلاّ كالشّامَةِ في جَنْبِ البَعِيرِ ، أو كالرّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الدّابّةِ ، وإنّ مَعَكُمْ لَخَلِيقَتَيْنِ ما كانَتا فِي شَيْءٍ قَطّ إلاّ كَثَرَتاهُ : يَأْجُوجُ وَمأْجُوجُ ، وَمَنْ هَلَكَ من كَفَرَةِ الجِنّ والإنْسِ » .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، قال : دخلت على ابن مسعود بيت المال ، فقال : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : «أتَرْضَوْنَ أن تَكُونُوا رُبُعَ أهْلِ الجَنةِ ؟ » قُلنا نعم ، قال : «أتَرْضَوْنَ أنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أهْلِ الجَنةِ ؟ » قلنا : نعم قال : «فوَالّذِي نَفْسِي بيَدِهِ ، إنّي لأرْجُوا أنْ تَكُونّوا شَطْرَ أهْلِ الجَنّةِ ، وَسأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذلكَ إنّه لا يَدْخُلُ الجَنّةَ إلاّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ ، وَإنّ قِلّةَ المُسْلِمِينَ فِي الكُفّارِ يَوْمَ القِيامَةِ كالشّعْرَةِ السّوْدَاءِ فِي الثّوْرِ الأبْبَضِ ، أو كالشّعْرَةِ البَيْضَاءِ فِي الثّوْرِ الأسْوَدِ » .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ قال : هذا يوم القيامة .
والزلزلة : مصدر من قوله القائل : زلزلتُ بفلان الأرض أزلزلها زلزلة وزِلزالاً ، بكسر الزاي من الزّلزال ، كما قال الله : إذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا وكذلك المصدر من كل سليم من الأفعال إذا جاءت على فِعلال فبكسر أوّله ، مثل وَسْوس وَسْوَسَة ووِسْواسا ، فإذا كان اسما كان بفتح أوّله الزّلزال والوَسْواس ، وهو ما وسوس إلى الإنسان ، كما قال الشاعر :
يَعْرِف الجاهِلُ المُضَلّلُ أنّ الدّ *** هْرَ فِيهِ النّكْرَاءُ والزّلْزَالُ
{ بسم الله الرحمن الرحيم } { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة } تحريكها للأشياء على الإسناد المجازي ، أو تحريك الأشياء فيها فأضيفت إليها إضافة معنوية بتقدير في أو إضافة المصدر إلى الظرف على إجرائه مجرى المفعول به . وقيل هي زلزلة تكون قبيل طلوع الشمس من مغربها وإضافتها إلى الساعة لأنها من أشراطها . { شيء عظيم } هائل علل أمرهم بالتقوى بفظاعة الساعة ليتصوروها بعقولهم ويعلموا أنه لا يؤمنهم منها سوى التدرع بلباس التقوى فيبقوا على أنفسهم ويتقوها بملازمة التقوى .
هذه السورة مكية سوى ثلاث آيات قوله ' هذان خصمان{[1]} ' إلى تمام ثلاث آيات . قاله ابن عباس ومجاهد وروي أيضا عن ابن عباس أنهن أربع آيات إلى قوله ' عذاب الحريق ' وقال الضحاك هي مدنية وقال قتادة سورة الحج مدنية إلا أربع آيات من قوله ' وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته{[2]} ' إلى قوله ' عذاب يوم عقيم ' فهن مكيات وعد النقاش ما نزل بالمدينة عشر آيات وقال الجمهور مختلطة فيها مكي ومدني وهذا هو الأصح والله أعلم لأن الآيات تقتضي ذلك{[3]} وروي عن أنس بن مالك أنه قال نزل أول السورة في السفر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادى بها فاجتمع الناس إليه فقال أتدرون أي يوم هذا فبهتوا فقال يوم يقول الله يا آدم أخرج بعث النار فيخرج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين قال فاغتم الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبشروا فمنكم رجل ومن يأجوج ومأجوج ألف رجل الحديث . {[4]}
صدر الآية تحذير بجميع العالم ثم أوجب الخبر وأكده بأمر { زلزلة } القيامة وهي إحدى شرائطها وسماها «شيئاً » إما لأنها حاصلة متيقن وقوعها فيستسهل لذلك أن تسمى شيئاً .
وهي معدومة إذا اليقين بها يشبهها بالموجودات وأما على المآل أي هي أذا وقعت شيء عظيم فكأنه لم يطلق الاسم الآن بل المعنى أنها كانت فهي حينئذ شيء عظيم ، والزلزلة التحريك العنيف{[8291]} وذلك مع نفخة الفزع ومع نفحة الصعق حسبما تضمن حديث أبي هريرة{[8292]} من ثلاث نفخات ومن لفظ الزلزلة قول الشاعر : [ الخفيف ]
يعرف الجاهل المضلل أن . . . الدهر فيه النكراء والزلزال{[8293]}
فيحتمل أن تكون «الزلزلة » في الآية عبارة عن أهوال يوم القيامة كما قال تعالى { مستهم البأساء والضراء وزلزوا }{[8294]} [ البقرة : 214 ] وكما قال عليه السلام «اللهم اهزمهم وزلزلهم »{[8295]} ، والجمهور على أن { زلزلة الساعة } هي كالمعهودة في الدنيا إلا أنها في غاية الشدة ، واختلف المفسرون في «الزلزلة » المذكورة هل هي في الدنيا على القوم الذين تقوم عليهم القيامة ، أم هي في يوم القيامة على جميع العالم ؟ فقال الجمهور هي في الدنيا .