فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الحج

وهي ثمان وسبعون آية

اختلف أهل العلم ، هل هي مكية أو مدينة ؟ فأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت سورة الحج بالمدينة . وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير مثله . وأخرج ابن المنذر عن قتادة قال : نزل بالمدينة من القرآن الحج غير أربع آيات مكيات { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } إلى { عذاب يوم عقيم } وحكى القرطبي عن ابن عباس أنها مكية سوى ثلاث آيات وقيل أربع آيات إلى قوله { عذاب الحريق } . وحكي عن النقاش أنه نزل بالمدينة منها عشر آيات . قال القرطبي وقال الجمهور : إن السورة مختلطة ، منها مكي ، ومنها مدني . قال : وهذا هو الصحيح . قال العزيزي : وهي من أعاجيب السور نزلت ليلاً ونهاراً ، سفراً وحضراً ، مكياً ومدنياً ، سلمياً وحربياً ، ناسخاً ومنسوخاً ، محكماً ومتشابهاً . وقد ورد في فضلها ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عقبة بن عامر قال ( قلت يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين ؟ قال : نعم ، فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما ) . قال الترمذي : هذا حديث ليس إسناده بالقوي . وأخرج أبو داود في المراسيل والبيهقي عن خالد بن معدان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( فضلت سورة الحج على القرآن بسجدتين ) . وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والإسماعيلي وابن مردويه والبيهقي عن عمر أنه كان يسجد سجدتين في الحج وقال : إن هذه السورة فضلت على سائر القرآن بسجدتين . وقد روي عن كثير من الصحابة أن فيها سجدتين ، وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق . وقال بعضهم : إن فيها سجدة واحدة ، وهو قول سفيان الثوري ، وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عباس وإبراهيم النخعي .

لما انجرّ الكلام في خاتمة السورة المتقدمة إلى ذكر الإعادة وما قبلها وما بعدها ، بدأ سبحانه في هذه السورة بذكر القيامة وأهوالها ، حثاً على التقوى التي هي أنفع زاد فقال : { يَا أَيُّهَا الناس اتقوا رَبكُمُ } أي احذروا عقابه بفعل ما أمركم به من الواجبات وترك ما نهاكم عنه من المحرمات ، ولفظ الناس يشمل جميع المكلفين من الموجودين ومن سيوجد على ما تقرر في موضعه ، وقد قدّمنا طرفاً من تحقيق ذلك في سورة البقرة ، وجملة : { إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْء عَظِيمٌ } تعليل لما قبلها من الأمر بالتقوى ، والزلزلة : شدّة الحركة ، وأصلها من زلّ عن الموضع ، أي زال عنه وتحرّك ، وزلزل الله قدمه ، أي : حركها ، وتكرير الحرف يدل على تأكيد المعنى ، وهو من إضافة المصدر إلى فاعله ، وهي على هذا ، الزلزلة التي هي أحد أشراط الساعة التي تكون في الدنيا قبل يوم القيامة ، هذا قول الجمهور . وقيل : إنها تكون في النصف من شهر رمضان ، ومن بعدها طلوع الشمس من مغربها . وقيل : إن المصدر هنا مضاف إلى الظرف ، وهو الساعة ، إجراء له مجرى المفعول ، أو بتقدير " في " كما في قوله : { بَلْ مَكْرُ الليل والنهار } [ سبأ : 33 ] . وهي المذكورة في قوله : { إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا } [ الزلزلة : 1 ] . قيل : وفي التعبير عنها بالشيء إيذان بأن العقول قاصرة عن إدراك كنهها .

/خ7