السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، إلا { ومن الناس من يعبد الله على حرف } الآيتين وإلا { هذان خصمان } الست آيات فمدنيات ، وهي ثمان ، وقيل : خمس أو ست أو سبع وسبعون آية .

{ بسم الله } أي : الذي اقتضت عظمته خضوع كل شيء { الرحمن } الذي عمّ برحمته كل موجود { الرحيم } الذي خص بفضله من شاء من عباده . ولما ختمت السورة التي قبل هذه بالترهيب من الفزع الأكبر وطي السماء وإتيان ما يوعدون ، وكان أعظم ذلك يوم الدين افتتحت هذه السورة بالأمر بالتقوى المنجية من هول ذلك اليوم بقوله تعالى : { يا أيها الناس } .

{ يا أيها الناس } أي : الذين تقدّم أوّل تلك أنه اقترب لهم حسابهم إن أريد أنّ ذلك عام وإلا فهم وغيرهم { اتقوا } أي : احذروا عقاب { ربكم } أي : المحسن إليكم بأنواع الإحسان بأن تجعلوا بينكم وبين عقابه وقاية الطاعات ، ولما أمرهم بالتقوى علل ذلك مرهباً لهم بقوله تعالى : { إنّ زلزلة الساعة } أي : حركتها الشديدة للأشياء على الإسناد المجازي ، فتكون الزلزلة مصدراً مضافاً إلى فاعله ، ويصح أن يكون إلى المفعول فيه على طريق الاتساع في الظرف وإجرائه مجرى المفعول به كقوله تعالى : { بل مكر الليل والنهار } [ سبأ ، 33 ] ، وهي الزلزلة المذكورة في قوله تعالى : { إذا زلزلت الأرض زلزالها } [ الزلزلة ، 1 ] واختلف في وقتها ، فعن الحسن أنها تكون يوم القيامة ، وعن علقمة والشعبي عند طلوع الشمس من مغربها الذي هو أقرب للساعة { شيء عظيم } أي : أمر كبير وخطر جليل وحادث هائل لا تحتمل العقول وصفه وهذا للزلزلة نفسها ، فكيف بجميع ما يحدث في ذلك اليوم الذي لا بدّ لكم من الحشر فيه إلى الله تعالى ليجازيكم على ما كان منكم لا ينسى منه نقير ولا قطمير .