سورة ( الحج ) مكية سوى ثلاث آيات نزلن{[1]} بالمدينة في ستة نفر من قريش ، ثلاثة مؤمنون وثلاثة كافرون . فالمؤمنون عبيدة الحرب بن عمرو{[2]} وحمزة بن عبد المطلب{[3]} وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم . دعاهم للبراز عتبة وشيبة ابنا ربيعة{[4]} والوليد بن عتبة{[5]} فأنزل الله تعالى ذكره : { هذان خصمان اختصموا في ربهم } إلى تمام الآيات الثلاث{[6]} . قال أنس بن مالك : نزلت سورة الحج على النبي عليه السلام وهو في مسير له وأصحابه متبددون ، فرفع بها صوته ، فنادى : { يا أيها الناس اتقوا ربكم . . . شديد } فاجتمع إليه أصحابه فقال : هل تدرون أي يوم ذلك ؟ ذلك يوم يقول{[7]} الله{[8]} لآدم : ابعث بعث النار من بنيك وبناتك . فقال{[9]} : يا رب ، من هم ؟ قال : من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعون إلى النار ، وواحد في الجنة{[10]} ، فكبر ذلك على أصحاب النبي فقال لهم النبي : أبشروا ، فإنكم مع خليقتين لم يكونا مع شيء قط إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج ، وما أنتم في الناس إلا كالرقمة في دراع الدابة أو كالشامة{[11]} في جنب البعير{[12]} الحديث بكامله .
وقد قيل : إن سورة الحج مدنية ، وحديث أنس أنها نزلت في بعض أسفار النبي عليه السلام يدل على أنها مدنية . فمن قال أنها مدنية .
قال في قوله : { هذان خصمان } إنه نزل في اختصام اليهود والمسلمين في كتابهم ودينهم .
قوله تعالى ذكره : { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة }[ 1 ] إلى { ولكن عذاب الله شديد }[ 2 ] .
المعنى : يا أيها الناس احذروا عقاب الله وأطيعوه إن زلزلة الساعة شيء عظيم .
قال ابن جريج{[46513]} : زلزلتها : أشراطها في الدنيا .
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال{[46514]} : إن الله جل ذكره لما فرغ من خلق السماوات والأرض ، خلق الصور ، فأعطاه إسرافيل فهو واضعه على فيه ، شاخص ببصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر .
قال أبو هريرة : وما الصور ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : " قرن . قال : وكيف هو ؟ قال : قرن عظيم . ينفخ فيه ثلاث نفخات : الأولى نفخة الفزع ، والثانية الصعق ، والثالثة{[46515]} نفخة القيام لرب العالمين جل وعز ، يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى ، فيقول انفخ نفخة الفزع ، فيفزع{[46516]} أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله ، ويأمره فيطوِّلُها ، فلا يفتر ، وهي التي يقول الله عز وجل : { وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق } أي : من راحة . فيسير الله الجبال فتكون سرابا ، وترج الأرض بأهلها رجا ، وهي التي يقول الله : { يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة }{[46517]} وتكون الأرض كالسفينة الموبقة{[46518]} تضربها الرياح تُكفأ بأهلها ، أو كالقنديل المعلق بالعرش ترجحه الرياح فيميد{[46519]} الناس على ظهرها ، فتذهل المراضع ، وتضع الحوامل ويشيب الولدان ، وتطير الشياطين هاربة حتى تأتي الأقطار{[46520]} فتلقاها الملائكة ، فتضرب وجوهها ، فترجع ، ويولي الناس مدبرين ، ينادي بعضهم بعضا ، وهو الذي يقول الله { يوم التناد يوم تولون مدبرين . . . {[46521]} } إلى قوله { . . . هاد } فبينما هم على ذلك إذ تصدعت الأرض من قطر إلى قطر . فرأوا أمرا عظيما ، فأخذهم لذلك من الكرب{[46522]} ما الله أعلم به . ثم نظروا في السماء ، فإذا هي كالمهل ، ثم خسف شمسها وقمرها ، وانتثرت نجومها ثم كشطت عنهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والأموات لا يعلمون بشيء من ذلك . فقال أبو هريرة : فمن{[46523]} استثنى الله عز وجل حين يقول : { ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله }{[46524]} قال : أولئك الشهداء ، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء ، أولئك أحياء عند ربهم يرزقون فرحين{[46525]} وقاهم{[46526]} الله فزع ذلك اليوم ، وأمنهم ، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه ، وهو الذي يقول جل ذكره : { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم . . . } إلى قوله { . . . شديد } .
وقال الحسن : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قفل من عزوه العسر ، ومعه أصحابه ، فقال : { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم . . . } إلى قوله : { . . . شديد } ثم قال : أتدرون أي يوم ذلك ؟ قيل له : الله ورسوله أعلم . قال : ذلك يوم يقول الله جل ذكره لآدم : قم{[46527]} فابعث بعث النار ، فيقول آدم : يا رب ، وما بعث النار ؟ فيقول : ابعث لكل ألف تسعة وتسعين وتسع مائة إلى النار ، وواحد{[46528]} إلى الجنة قال{[46529]} : فاشتد ذلك على الناس حتى لم يبدوا عن واضحة . فلما رأى ما في وجوههم قال لهم : اعملوا{[46530]} وابشروا ، فوالله ما أنتم في الناس إلا كالرقمة في ذراع{[46531]} الدابة ، أو كالشامة في جنب البعير ، إنه لم يكن رسولان إلا وبينهما فترة من جاهلية ، وأهل{[46532]} الجاهلية أهل النار بين ظهراني خليقتين لا يعادهم أحد من أهل{[46533]} الأرض إلا كثروهم ، يأجوج ومأجوج ، وتكملة العدد من المنافقين .
وروي عن الحسن أنه قال : يخرج من النار رجل بعد ألف عام . فقال الحسن : يا ليتني أنا ذلك الرجل .
وقال قوم{[46534]} : يراد بهذا كله يوم القيامة ، فمن قال : هو يوم القيامة قال : المعنى : يوم يرون القيامة . ومن قال{[46535]} : هو قبل يوم القيامة قال : المعنى : يوم يرون أشراطها تذهل . وظاهر النص يدل على أن{[46536]} ( الهاء ) في ( ترونها ) تعود على الزلزلة . أي : يوم ترون الزلزلة ، وذلك من أشراط الساعة ، وهو ظاهر النص ، لأن يوم القيامة لا حامل فيها{[46537]} ولا مرضعة . إنما ذلك في الدنيا{[46538]} ، فهو وقت تظهر فيه الزلازل والأشراط والشدائد الدالة على قيام الساعة فتذهب المرضعات عن أولادها{[46539]} ، وتضع الحوامل حملهن{[46540]} لشدة{[46541]} ذلك ، وعظيم خوفه وصعوبته ولما يلقى فيه من الهلع والفزع{[46542]} .
وقول من قال : هو يوم القيامة يدل عليه ما رواه عمران بن الحصين{[46543]} قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه وقد فاوت السير بأصحابه إذ نادى رسول الله بهذه الآية { يا أيها الناس اتقوا ربكم . . . } فحثوا المطي حتى كانوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " هل تدرون{[46544]} أي يوم ذلك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : ذلك يوم ينادى آدم{[46545]} يناديه ربه ، ابعث بعثة{[46546]} النار من كل ألف تسع مائة وتسع وتسعون إلى النار ، وواحد إلى الجنة ، قال : فأبلس القوم ، فما وضح منهم{[46547]} ضاحك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
اعلموا{[46548]} وأبشروا ، فإن معكم خليقتين ما كانتا في قوم إلا كثرتاه ، فمن هلك من بني آدم ومن هلك من بني إبليس ويأجوج ومأجوج . ثم قال : ألا أبشروا{[46549]} ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الناقة " ، وكذلك رواه{[46550]} الخدري وأنس بن مالك ، فهذا الحديث أصح من الأول طريقا وزاد الحسن في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم . قال فيه ولم يكن رسولان{[46551]} إلا كان بينهما فترة من الجاهلية ، فهم أهل النار ، وإنكم بين ظهراني خليقتين لا يعادهما أحد من أهل الأرض إلا كثروهم يأجوج ومأجوج ، وهم أهل النار . وتكمل العدة من المنافقين .
وقال ابن مسعود : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة ؟ قلنا : نعم . فقال : أترضون أن تكونوا ثلت أهل الجنة ؟ قلنا : نعم . قال : فوالذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة ، وسأخبركم عن ذلك . إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ، وإن قلة المسلمين في الكفار يوم القيامة كالشعرة السوداء في الثور الأبيض . و{[46552]}كالشعرة البيضاء في الثور الأسود " {[46553]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.