الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

سورة ( الحج ) مكية سوى ثلاث آيات نزلن{[1]} بالمدينة في ستة نفر من قريش ، ثلاثة مؤمنون وثلاثة كافرون . فالمؤمنون عبيدة الحرب بن عمرو{[2]} وحمزة بن عبد المطلب{[3]} وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم . دعاهم للبراز عتبة وشيبة ابنا ربيعة{[4]} والوليد بن عتبة{[5]} فأنزل الله تعالى ذكره : { هذان خصمان اختصموا في ربهم } إلى تمام الآيات الثلاث{[6]} . قال أنس بن مالك : نزلت سورة الحج على النبي عليه السلام وهو في مسير له وأصحابه متبددون ، فرفع بها صوته ، فنادى : { يا أيها الناس اتقوا ربكم . . . شديد } فاجتمع إليه أصحابه فقال : هل تدرون أي يوم ذلك ؟ ذلك يوم يقول{[7]} الله{[8]} لآدم : ابعث بعث النار من بنيك وبناتك . فقال{[9]} : يا رب ، من هم ؟ قال : من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعون إلى النار ، وواحد في الجنة{[10]} ، فكبر ذلك على أصحاب النبي فقال لهم النبي : أبشروا ، فإنكم مع خليقتين لم يكونا مع شيء قط إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج ، وما أنتم في الناس إلا كالرقمة في دراع الدابة أو كالشامة{[11]} في جنب البعير{[12]} الحديث بكامله .

وقد قيل : إن سورة الحج مدنية ، وحديث أنس أنها نزلت في بعض أسفار النبي عليه السلام يدل على أنها مدنية . فمن قال أنها مدنية .

قال في قوله : { هذان خصمان } إنه نزل في اختصام اليهود والمسلمين في كتابهم ودينهم .

قوله تعالى ذكره : { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة }[ 1 ] إلى { ولكن عذاب الله شديد }[ 2 ] .

المعنى : يا أيها الناس احذروا عقاب الله وأطيعوه إن زلزلة الساعة شيء عظيم .

قال ابن جريج{[46513]} : زلزلتها : أشراطها في الدنيا .

وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال{[46514]} : إن الله جل ذكره لما فرغ من خلق السماوات والأرض ، خلق الصور ، فأعطاه إسرافيل فهو واضعه على فيه ، شاخص ببصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر .

قال أبو هريرة : وما الصور ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : " قرن . قال : وكيف هو ؟ قال : قرن عظيم . ينفخ فيه ثلاث نفخات : الأولى نفخة الفزع ، والثانية الصعق ، والثالثة{[46515]} نفخة القيام لرب العالمين جل وعز ، يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى ، فيقول انفخ نفخة الفزع ، فيفزع{[46516]} أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله ، ويأمره فيطوِّلُها ، فلا يفتر ، وهي التي يقول الله عز وجل : { وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق } أي : من راحة . فيسير الله الجبال فتكون سرابا ، وترج الأرض بأهلها رجا ، وهي التي يقول الله : { يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة }{[46517]} وتكون الأرض كالسفينة الموبقة{[46518]} تضربها الرياح تُكفأ بأهلها ، أو كالقنديل المعلق بالعرش ترجحه الرياح فيميد{[46519]} الناس على ظهرها ، فتذهل المراضع ، وتضع الحوامل ويشيب الولدان ، وتطير الشياطين هاربة حتى تأتي الأقطار{[46520]} فتلقاها الملائكة ، فتضرب وجوهها ، فترجع ، ويولي الناس مدبرين ، ينادي بعضهم بعضا ، وهو الذي يقول الله { يوم التناد يوم تولون مدبرين . . . {[46521]} } إلى قوله { . . . هاد } فبينما هم على ذلك إذ تصدعت الأرض من قطر إلى قطر . فرأوا أمرا عظيما ، فأخذهم لذلك من الكرب{[46522]} ما الله أعلم به . ثم نظروا في السماء ، فإذا هي كالمهل ، ثم خسف شمسها وقمرها ، وانتثرت نجومها ثم كشطت عنهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والأموات لا يعلمون بشيء من ذلك . فقال أبو هريرة : فمن{[46523]} استثنى الله عز وجل حين يقول : { ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله }{[46524]} قال : أولئك الشهداء ، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء ، أولئك أحياء عند ربهم يرزقون فرحين{[46525]} وقاهم{[46526]} الله فزع ذلك اليوم ، وأمنهم ، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه ، وهو الذي يقول جل ذكره : { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم . . . } إلى قوله { . . . شديد } .

وقال الحسن : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قفل من عزوه العسر ، ومعه أصحابه ، فقال : { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم . . . } إلى قوله : { . . . شديد } ثم قال : أتدرون أي يوم ذلك ؟ قيل له : الله ورسوله أعلم . قال : ذلك يوم يقول الله جل ذكره لآدم : قم{[46527]} فابعث بعث النار ، فيقول آدم : يا رب ، وما بعث النار ؟ فيقول : ابعث لكل ألف تسعة وتسعين وتسع مائة إلى النار ، وواحد{[46528]} إلى الجنة قال{[46529]} : فاشتد ذلك على الناس حتى لم يبدوا عن واضحة . فلما رأى ما في وجوههم قال لهم : اعملوا{[46530]} وابشروا ، فوالله ما أنتم في الناس إلا كالرقمة في ذراع{[46531]} الدابة ، أو كالشامة في جنب البعير ، إنه لم يكن رسولان إلا وبينهما فترة من جاهلية ، وأهل{[46532]} الجاهلية أهل النار بين ظهراني خليقتين لا يعادهم أحد من أهل{[46533]} الأرض إلا كثروهم ، يأجوج ومأجوج ، وتكملة العدد من المنافقين .

وروي عن الحسن أنه قال : يخرج من النار رجل بعد ألف عام . فقال الحسن : يا ليتني أنا ذلك الرجل .

وقال قوم{[46534]} : يراد بهذا كله يوم القيامة ، فمن قال : هو يوم القيامة قال : المعنى : يوم يرون القيامة . ومن قال{[46535]} : هو قبل يوم القيامة قال : المعنى : يوم يرون أشراطها تذهل . وظاهر النص يدل على أن{[46536]} ( الهاء ) في ( ترونها ) تعود على الزلزلة . أي : يوم ترون الزلزلة ، وذلك من أشراط الساعة ، وهو ظاهر النص ، لأن يوم القيامة لا حامل فيها{[46537]} ولا مرضعة . إنما ذلك في الدنيا{[46538]} ، فهو وقت تظهر فيه الزلازل والأشراط والشدائد الدالة على قيام الساعة فتذهب المرضعات عن أولادها{[46539]} ، وتضع الحوامل حملهن{[46540]} لشدة{[46541]} ذلك ، وعظيم خوفه وصعوبته ولما يلقى فيه من الهلع والفزع{[46542]} .

وقول من قال : هو يوم القيامة يدل عليه ما رواه عمران بن الحصين{[46543]} قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه وقد فاوت السير بأصحابه إذ نادى رسول الله بهذه الآية { يا أيها الناس اتقوا ربكم . . . } فحثوا المطي حتى كانوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " هل تدرون{[46544]} أي يوم ذلك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : ذلك يوم ينادى آدم{[46545]} يناديه ربه ، ابعث بعثة{[46546]} النار من كل ألف تسع مائة وتسع وتسعون إلى النار ، وواحد إلى الجنة ، قال : فأبلس القوم ، فما وضح منهم{[46547]} ضاحك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :

اعلموا{[46548]} وأبشروا ، فإن معكم خليقتين ما كانتا في قوم إلا كثرتاه ، فمن هلك من بني آدم ومن هلك من بني إبليس ويأجوج ومأجوج . ثم قال : ألا أبشروا{[46549]} ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الناقة " ، وكذلك رواه{[46550]} الخدري وأنس بن مالك ، فهذا الحديث أصح من الأول طريقا وزاد الحسن في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم . قال فيه ولم يكن رسولان{[46551]} إلا كان بينهما فترة من الجاهلية ، فهم أهل النار ، وإنكم بين ظهراني خليقتين لا يعادهما أحد من أهل الأرض إلا كثروهم يأجوج ومأجوج ، وهم أهل النار . وتكمل العدة من المنافقين .

وقال ابن مسعود : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة ؟ قلنا : نعم . فقال : أترضون أن تكونوا ثلت أهل الجنة ؟ قلنا : نعم . قال : فوالذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة ، وسأخبركم عن ذلك . إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ، وإن قلة المسلمين في الكفار يوم القيامة كالشعرة السوداء في الثور الأبيض . و{[46552]}كالشعرة البيضاء في الثور الأسود " {[46553]} .


[1]:أ: إذ.
[2]:حكاه في المحرر 16/262.
[3]:أ: إذ.
[4]:أ: الاولى والثانية والثالثة.
[5]:ساقط من أ.
[6]:م: هذه الأشياء وسخرها.
[7]:م، ث: فكيف.
[8]:ساقط من أ.
[9]:أ: قال.
[10]:ساقط من أ.
[11]:في تنوير المقياس 509: "بقوتها وشدتها تقوم بحملها ولا يقوم غيرها".
[12]:أ: قال.
[46513]:انظر: جامع البيان 17/109 والدر المنثور 4/344.
[46514]:انظر: جامع البيان 17/110 وابن كثير 3/203.
[46515]:قوله: (نفخة الصعق والثالثة) ساقط من ز.
[46516]:ز: فيقع. (تحريف).
[46517]:النازعات الآيات 6-7-8.
[46518]:الموتقة (تصحيف).
[46519]:ز: فيميل. (تحريف).
[46520]:ز: تأتي أقطار الأرض.
[46521]:ز: غافر آية 33.
[46522]:ز: الكذب (تحريف).
[46523]:ز: لمن.
[46524]:ز: النحل آية 89.
[46525]:فرحين سقطت من ز.
[46526]:ز: ووقاهم.
[46527]:قم سقطت من ز.
[46528]:ز: وواحدة.
[46529]:قال سقطت من ز.
[46530]:ز: اعملوا. (تحريف).
[46531]:ذراع سقطت من ز.
[46532]:ز: وأكثر أهل.
[46533]:أهل سقطت من ز.
[46534]:وهو اختيار الطبري في جامع البيان 17/111 وغيره من علماء التفسير وهو أيضا قول ابن عباس والحسن والسدي في زاد المسير 5/403.
[46535]:وهو قول علقمة والشعبي في زاد المسير 5/403 الدر المنثور 4/344.
[46536]:(يدل على أن) سقطت من ز.
[46537]:ز: فيه.
[46538]:في الدنيا سقط من ز.
[46539]:ز: الأولاد.
[46540]:حملهن سقطت من ز.
[46541]:ز: لأجل شدة.
[46542]:ز: المزعج.
[46543]:هو عمران بن حصين بن عبيد بن خلف بن عبد نهم بن سالم، يكنى أنا نجيد (ت: 52 هـ)، ترجمته في طبقات خليفة بن خياط: 106 والاستيعاب 3/1208. والحديث في مستدرك الحاكم 2/385 ومسند أحمد 4/432 وتفسير ابن كثير 3/204 والدر المنثور 4/343.
[46544]:ز: أتدرون.
[46545]:ز: يا آدم.
[46546]:ز: بعث.
[46547]:منهم سقطت من ز.
[46548]:ز: اعلموا. (تحريف).
[46549]:ز: ألا أبشركم.
[46550]:ز: روى.
[46551]:ز: رسولا.
[46552]:(كالشعرة السوداء في الثور الأبيض).
[46553]:انظر: البخاري مع الفتح 11/378 (كتاب الرقاق).