التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

اختلفت العلماء في كون هذه السورة مكية أو مدنية . فقد قيل : إنها مكية إلا ثلاث آيات . وقيل : بل مدنية باستثناء أربع آيات . والصحيح أن السورة مختلطة منها مكي ومنها مدني ؛ لاقتضاء الآيات ذلك .

وكيفما يكن ذلك فإن سورة الحج عظيمة في معانيها وأخبارها وما تضمنته من الأدلة والأحكام والعظات . ومن جملة ذلك : التركيز على الإيمان بيوم القيامة والتنديد بالمعاندين الجاحدين الذين يركبون الهوى والضلال ويتبعون الغاوين والشياطين والمضلين .

وفي السورة تعظيم للحج وشعائره ، وذكر لمنافعه الدنيوية والأخروية . ثم الإذن من الله للمسلمين بقتال الكافرين بعد اصطبارهم الشديد على أذاهم وعدوانهم . إلى غير ذلك مما تضمنته هذه السورة من أهوال القيامة ، وما يجده الظالمون والمجرمون يومئذ من النكال الشديد . ويأتي في طليعة ذلك كله ما ابتدأت به السورة من الإخبار عن الحدث الداهم الجلل وهو قيام الساعة وما فيها من عصيب البلايا وشديد القواصم .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ( 1 ) يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ( 2 ) } .

يدعو الله عباده أن يخافوه ويحذروا عقابه وانتقامه فيأتمروا بأوامره وينتهوا زواجره . وعلّل ذلك بأن ( زلزلة الساعة شيء عظيم ) والزلزلة هي شدة حركة الشيء . وقال الزمخشري في الكشاف : هي شدة التحريك والإزعاج . والزلازل بمعنى الشدائد{[3067]} .

واختلف المفسرون في وقت هذه الزلزلة ؛ فقد قيل : إنها كائنة يوم القيامة . وقيل : عند طلوع الشمس من مغربها ؛ فهي شرط من أشراط الساعة ، وهي بذلك كائنة قبل يوم القيامة .

وأيا كانت وقت هذه الزلزلة فإن المقصود هولها وفظاعتها التي تضطرب منها الدنيا وتميد بها الأرض بمن عليها من أناس ؛ لتأتي على البشرية حينئذ غاشية من الرعب والحيرة والذهول مما لا يعلم شدته ومداه إلا الله . ومثل هذه المعاني المجلجلة الجسام تكشف عنها كلمات الكتاب الحكيم في هذا الصدد ليجد القارئ المتدبر في ذلك صورة مثيرة ومرعبة عن حقيقة الساعة ودواهيها العظام . وذلك ؛ لأن ( زلزلة الساعة شيء عظيم ) أي أمر هائل وجلل ومَخُوف .


[3067]:- مختار الصحاح ص 274.