المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلۡنَا ٱحۡمِلۡ فِيهَا مِن كُلّٖ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ وَمَنۡ ءَامَنَۚ وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٞ} (40)

40- حتى إذا جاء وقت أمرنا بإهلاكهم ، جاء الماء بقوة فائراً ذا رغوة ، كالماء الذي يغلى فوق النار ، قلنا لنوح : احْمل معك في السفينة من كل نوع من أنواع الحيوانات ذكراً وأنثى ، واحْمل فيها أيضاً أهل بيتك جميعاً ، إلا من سبق عليه حكمنا بإهلاكه ، واحْمل فيها أيضاً من آمن من قومك ، ولم يكونوا إلا عدداً قليلاً .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلۡنَا ٱحۡمِلۡ فِيهَا مِن كُلّٖ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ وَمَنۡ ءَامَنَۚ وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٞ} (40)

قوله تعالى : { حتى إذا جاء أمرنا } عذابنا ، { وفار التنور } ، اختلفوا في التنور : قال عكرمة والزهري : هو وجه الأرض ، وذلك أنه قيل لنوح : إذا رأيت الماء فار على وجه الأرض فاركب السفينة . وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : فار التنور أي : طلع الفجر ونور الصبح . وقال الحسن و مجاهد و الشعبي : إنه التنور الذي يخبز فيه ، وهو قول أكثر المفسرين . ورواية عطية عن ابن عباس قال الحسن : كان تنورا من حجارة ، كانت حواء تخبر فيه فصار إلى نوح عليه السلام ، فقيل لنوح : إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك . واختلفوا في موضعه ، قال مجاهد والشعبي : كان في ناحية الكوفة وكان الشعبي يحلف : ما فار التنور إلا من ناحية الكوفة . وقال : اتخذ نوح السفينة في جوف مسجد الكوفة . وكان التنور على يمين الداخل مما يلي باب كنده ، وكان فوران الماء منه علما لنوح عليه السلام . وقال مقاتل : كان ذلك تنور آدم ، وكان بالشام بموضع يقال له : عين وردة . وروى عن ابن عباس : أنه كان بالهند . والفوران : الغليان .

قوله تعالى : { قلنا احمل فيها } ، أي في السفينة ، { من كل زوجين اثنين } ، الزوجان : كل اثنين لا يستغني أحدهما عن الآخر ، يقال لكل واحد منهما زوج ، يقال : زوج خف وزوج نعل ، والمراد بالزوجين هاهنا : الذكر والأنثى . قرأ حفص هاهنا وفى سورة المؤمنين : " من كل " بالتنوين أي : من كل صنف زوجين اثنين ، ذكره تأكيدا . وفى القصة : أن نوحا عليه الصلاة والسلام قال : يا رب كيف أحمل من كل زوجين اثنين ؟ فحشر الله إليه السباع والطير ، فجعل يضرب بيديه في كل جنس فيقع الذكر في يده اليمنى والأنثى في يده اليسرى ، فيحملها في السفينة . { وأهلك } ، أي : واحمل واهلك ، أي : ولدك وعيالك ، { إلا من سبق عليه القول } ، بالهلاك ، يعنى : امرأته واعلة وابنه كنعان ، { ومن آمن } يعني : واحمل من آمن بك ، كما قال الله تعالى : { وما آمن معه إلا قليل } ، واختلفوا في عددهم : قال قتادة وابن جريج ومحمد بن كعب القرظي : لم يكن في السفينة إلا ثمانية نفر : نوح ، وامرأته ، وثلاثة بنين له سام وحام ويافث ، ونساؤهم . وقال الأعمش : كانوا سبعة نوح وثلاثة بنين له ، وثلاث كنائن له . وقال ابن إسحاق : كانوا عشرة سوى نسائهم ، نوح وبنوه سام وحام ويافث وستة أناس ممن كان آمن به وأزواجهم جميعا . وقال مقاتل كانوا اثنين وسبعين نفرا رجلا وامرأة وبنيه الثلاثة ونساءهم ، فجميعهم ثمانية وسبعون ، نصفهم رجال ونصفهم نساء . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان في سفينة نوح ثمانون رجلا أحدهم جرهم . قال مقاتل : حمل نوح معه جسد آدم فجعله معترضا بين الرجال والنساء وقصد نوحا جميع الدواب والطيور ليحملها . قال ابن عباس رضي الله عنهما : أول ما حمل نوح الدرة وآخر ما حمل الحمار ، فلما دخل الحمار ودخل صدره تعلق إبليس بذنبه ، فلم يستقل رجلاه ، فجعل نوح يقول : ويحك ادخل : فينهض فلم يستطع ، حتى قال نوح : ويحك ادخل وإن الشيطان معك كلمة زلت على لسانه ، فلما قالها نوح خلى الشيطان سبيله فدخل ودخل الشيطان ، فقال له نوح : ما أدخلك علي يا عدو الله ؟ قال : ألم تقل ادخل وإن كان الشيطان معك ، قال : اخرج عني يا عدو الله ، قال : ما لك بد من أن تحملني معك ، فكان فيما يزعمون في ظهر الفلك . وروي عن بعضهم : أن الحية والعقرب أتيا نوحا فقالتا : احملنا ، فقال : إنكما سبب الضر والبلاء ، فلا أحملكما ، فقالتا له : احملنا ونحن نضمن لك أن لا نضر أحدا ذكرك فمن قرأ حين خاف مضرتهما سلام على نوح في العالمين ما ضرتاه . قال الحسن : لم يحمل نوح في السفينة إلا ما يلد ويبيض ، فأما ما يتولد من الطين من حشرات الأرض كالبق والبعوض فلم يحمل منه شيئا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلۡنَا ٱحۡمِلۡ فِيهَا مِن كُلّٖ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ وَمَنۡ ءَامَنَۚ وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٞ} (40)

كان من أمره وأمرهم بعد ذلك أن أمر الله - تعالى - نوحا - عليه السلام - أن يحمل فى السفينة بعد أن أتم صنعها من كل نوع من أنواع الحيوانات ذكرا وأنثى ، ثم نزل الطرفان ، وسارت السفينة بمن فيها ، وأغرق الله - تعالى - الظالمين ، وقد حكى - سبحانه - كل ذلك فقال - تعالى :

{ حتى إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا . . . }

قوله - سبحانه - { حتى إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التنور قُلْنَا احمل فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين . . . } بيان لمرحلة جديدة من مراحل قصة نوح - عليه السلام - مع قومه .

و { حتى } هنا حرف غاية لقوله - تعالى - قبل ذلك { وَيَصْنَعُ الفلك . . . إلخ } .

والمراد بالأمر فى قوله - سبحانه - { حتى إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا . . . } حلول وقت نزول العذاب بهم ، فهو مفرد الأمور ، أى : حتى إذا حل بهم وقت عذابنا . . قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين .

ويصح أن يكون المراد به الأمر بالشئ على أنه مفرد الأوامر ، فيكون المعنى : حتى إذا جاء أمرنا لنوح بركوب السفينة ، وللأرض بتفجير عيونها ، وللسماء بإنزال أمطارها . . قلنا احمل فيها . . .

وجملة ، وفار التنور ، معطوفة على { جَآءَ أَمْرُنَا } وكلمة { فار } من الفور والفوران ، وهو شدة الغليان للماء وغيره .

قال صاحب المنار ما ملخصه : " والفور والفوران ضرب من الحركة والارتفاع والقوى ، يقال في الماء إذا غلا وارتفع . . . ويقال فى النار إذا هاجت قال - تعالى - { إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ } ومن المجاز : فار الغضب ، إذا اشتد . . .

وللمفسرين فى المراد بلفظ { التنور } أقوال منها : أن المراد به الشئ الذى يخبز فيه الخبز ، وهو ما يسمى بالموقد أو الكانون . . .

ومنها أن المراد به وجه الأرض . . .

ومنها : أن المراد به موضع اجتماع الماء في السفينة . . .

ومنها : أن المراد به طلوع الفجر من قولهم : تنور الفجر . . .

ومنها : أن المراد به أعالى الأرض والمواضع المرتفعة فيها . .

وقيل : إن الكلام على سبيل المجاز ، والمراد بقوله - سبحانه - { وَفَارَ التنور } التمثيل بحضور العذاب ، كقولهم ، حمى الوطيس ، إذا اشتد القتال .

وأرجح هذه الأقوال أولها ، لأن التنور فى اللغة يطلق على الشئ الذى يخبز فيه ، وفورانه معناه : نبع الماء منه بشدة مع الارتفاع والغليان ، كما يفوز الماء فى القدر عند الغليان ، ولعل ذلك كان علامة لنوح - عليه السلام - على اقتراب وقت الطوفان .

وقد رجح هذا القول المحققون من المفسرين ، فقد قال الإِمام ابن جرير بعد أن ذكر جملة من الأقوال فى معى التنور : " وأولى الأقوال عندنا بتأويل قوله { التنور } قول من قال : هو التنور الذى يخبز فيه ، لأن هذا هو المعروف من كلام العرب ، وكلام الله لا يوجه إلا إلى الأغلب الأشهر من معانيه عند العرب ، إلا أن تقوم حجة على شئ منه بخلاف ذلك ، فيسلم لها .

وذلك لأنه جل ثناؤه إنما خاطبهم بما خاطبهم به لإِفهامهم معنى ما خاطبهم به .

أى : قلنا لنوح حين جاء عذابنا قومه . . . وفار التنور الذى جعلنا فورانه بالماء آية مجئ عذابنا . . احمل فيها - أى السفينة من كل زوجين اثنين .

.

وقال الإِمام الرازى ما ملخصه : فإن قيل : فما الأصح من هذه الأقوال - فى معنى التنور . . . ؟

قلنا : الأصل حمل الكلام على حقيقته ، ولفظ التنور حقيقة فى الموضع الذى يخبز فيه ، فوجب حمل اللفظ عليه . . .

ثم قال : والذى روى من أن فور التنور كان علامة لهلاك القوم لا يمتنع لأن هذه واقعة عظيمة ، وقد وعد الله - تعالى - المؤمنين النجاة فلابد أن يجعل لهم علامة بها يعرفون الوقت المعين " فلا يبعد جعل هذه الحالة علامة لحدوث هذه الواقعة " .

وجملة { قُلْنَا احمل فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين وَأَهْلَكَ } جواب إذا .

ولفظ { زوجين } تثنية زوج ، والمراد به هنا الذكر والأنثى من كل نوع .

قراءة الجمهور { مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين } بدون تنوين للفظ كل ، وإضافته إلى زوجين .

وقرأ حفص : { مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين } بتنوين لفظ كل وهو تنوين عوض عن مضاف إليه ، والتقدير : احمل فيها من كل نوع من أنواع المخلوقات التى أنت فى حاجة إليها ذكرا وأنثى .

ويكون لفظ { زوجين } مفعولا لقوله { احمل } واثنين صفة له .

والمراد بأهله : أهل بيته كزوجته وأولاده ، وأكثر ما يطلق لفظ الأهل على الزوجة ، كما فى قوله - { فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطور نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ امكثوا إني آنَسْتُ نَاراً . . . } والمراد بأهله : من كان مؤمنا منهم .

وجملة { إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول } استثناء من الأهل .

أى : احمل فيها أهلك إلا من سبق عليه قضاؤنا بكفره منهم فلا تحمله .

والمراد بمن سبق عليه القول : زوجته التى جاء ذكرها فى سورة التحريم فى قوله - تعالى - { ضَرَبَ الله مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ امرأت نُوحٍ وامرأت لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا . . } وابنه الذى أبى أن يركب معه السفينة .

قال الآلوسى عند تفسيره لهذه الجملة : والمراد زوجة له أخرى تسمى ( واعلة ) بالعين المهملة ، وفى رواية ( والقة ) وابنه منها واسمه ( كنعان ) . . وكانا كافرين

وجملة { وَمَنْ آمَنَ } معطوفة على قوله { وَأَهْلَكَ } أى : واحمل معك من آمن بك من قومك .

والمعنى للآية الكريمة : لقد امتثل نوح أمر ربه له بصنع السفينة ، حتى إذا ما تم صنعها ، وحان وقت نزول العذاب بالكافرين من قومه ، وتحققت العلامات الدالة على ذلك ، قال الله - تعالى - لنوح : احمل فيها من كل نوع من أنواع المخلوقات التى أنت فى حاجة إليها ذكر أو أنثى ، واحمل فيها أيضا من آمن بك من أهل بيتك دون من لم يؤمن ، واحمل فيها كذلك جميع المؤمنين الذين اتبعوا دعوتك من غير أهل بيتك .

وقد ختم - سبحانه - الآية الكريمة بما يدل على قلة عدد من آمن به فقال : { وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } .

أى : وما آمن معه إلا عدد قليل من قومه بعد أن لبث فيهم قرونا متطاولة يدعوهم إلى الدين الحق ليلا ونهارا ، وسرا وعلانية .

قال الآلوسى بعد أن ساق أقوالا فى عدد من آمن بنوح - عليه السلام - من قومه : . . . والرواية الصحيحة أنهم كانوا تسعة وسبعين : زوجته ، وبنوه الثلاثة ونساؤهم ، وانثان وسبعون رجلا وامرأة من غيرهم . . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلۡنَا ٱحۡمِلۡ فِيهَا مِن كُلّٖ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ وَمَنۡ ءَامَنَۚ وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٞ} (40)

هذه مُواعدة من الله تعالى لنوح ، عليه السلام ، إذا جاء أمر الله من الأمطار المتتابعة ، والهَتَّان الذي لا يُقْلع ولا يَفتُر ، بل هو كما قال تعالى : { فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ } [ القمر : 11 - 14 ] .

وأما قوله : { وَفَارَ التَّنُّورُ } فعن ابن عباس : التنور : وجه الأرض ، أي : صارت الأرض عيونا تفور ، حتى فار الماء من التنانير التي هي مكان النار ، صارت تفور ماء ، وهذا قول جمهور السلف وعلماء الخلف .

وعن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه : التنور : فَلَق الصبح ، وتنوير الفجر ، وهو ضياؤه وإشراقه .

والأول أظهر .

وقال مجاهد والشعبي : كان هذا التنور بالكوفة ، وعن ابن عباس : عين بالهند . وعن قتادة : عين بالجزيرة ، يقال لها : عين الوردة .

وهذه أقوال غريبة .

فحينئذ أمر الله نوحا ، عليه السلام ، أن يحمل معه في السفينة من كل زوجين - من صنوف المخلوقات ذوات الأرواح ، قيل : وغيرها من النباتات - اثنين . ذكرا وأنثى ، فقيل : كان أول من أدخل من الطيور الدرة ، وآخر من أدخل من الحيوانات الحمار ، فدخل إبليس متعلقًا بذنبه ، فدخل بيده{[14592]} ، وجعل يريد أن ينهض فيثقله إبليس وهو متعلق بذنبه ، فجعل يقول له نوح : مالك ؟ ويحك . ادخل . فينهض ولا يقدر ، فقال : ادخل وإن كان إبليس معك فدخلا في السفينة .

وذكر أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود أنهم لم يستطيعوا أن يحملوا معهم الأسد ، حتى ألقيت عليه الحمى .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث ، حدثني الليث ، حدثني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم . عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لما حمل نوح في السفينة من كل زوجين اثنين ، قال أصحابه : وكيف يطمئن أو : تطمئن - المواشي ومعها{[14593]} الأسد ؟ فسلط الله عليه الحمى ، فكانت أول حُمَّى نزلت الأرض ، ثم شكوا الفأرة فقالوا : الفُوَيسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا . فأوحى الله إلى الأسد ، فعطس ، فخرجت الهرة منه ، فتخبأت الفأرة منها{[14594]} .

وقوله : { وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ } أي : " واحمل فيها أهلك ، وهم أهل بيته وقرابته " إلا من سبق عليه القول منهم ، ممن لم يؤمن بالله ، فكان منهم ابنه " يام " الذي انعزل وحده ، وامرأة نوح وكانت كافرة بالله ورسوله .

وقوله : { وَمَنْ آمَنَ } أي : من قومك ، { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ } أي : نزر {[14595]}يسير مع طول المدة والمقام بين أظهرهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، فعن ابن عباس : كانوا ثمانين نفسا منهم{[14596]} نساؤهم . وعن كعب الأحبار : كانوا اثنين وسبعين نفسا . وقيل : كانوا عشرة . وقيل : إنما كانوا نوح وبنوه{[14597]} الثلاثة سام ، وحام ، ويافث ، وكنائِنِه الأربع نساء هؤلاء الثلاثة وامرأة يام . وقيل : بل امرأةُ نوح كانت معهم في السفينة ، وهذا فيه نَظَرٌ ، بل الظاهر أنها هلكت ؛ لأنها كانت على دين قومها ، فأصابها ما أصابهم ، كما أصاب امرأة لوط ما أصاب قَومها ، والله أعلم وأحكم .


[14592]:- في ت : "بيديه".
[14593]:- في ت : "ومعنا".
[14594]:- وهذا مرسل ، وقد ورد في سفينة نوح غير ما ذكره الحافظ وأكثرها من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. قال ابن حبان : "كان ممن يقلب الأخبار حتى كثر ذلك في روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف ، فاستحق الترك". ومما رواه في شأن سفينة نوح ما أورده ابن حجر في التهذيب (6/179) عن الساجي قال : حدثنا الربيع ، حدثنا الشافعي قال : قيل لعبد الرحمن بن زيد : حدثك أبوك عن جدك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن سفينة نوح طافت بالبيت وصلت خلف المقام ركعتين ؟!" قال : نعم. وقد ذكر رجل لمالك حديثا منقطعا، فقال: اذهب إلى عبد الرحمن بن زيد يحدثك عن أبيه عن نوح!!. وانظر كتاب : الإسرائيليات في كتب التفسير لمحمد أبو شهبة (ص218).
[14595]:- في ت ، أ : "نفر".
[14596]:- في أ : "معهم".
[14597]:- في أ : "إنما كان وبنوه".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلۡنَا ٱحۡمِلۡ فِيهَا مِن كُلّٖ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ وَمَنۡ ءَامَنَۚ وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٞ} (40)

{ حتى إذا جاء أمرنا } غاية لقوله { ويصنع الفلك } وما بينهما حال من الضمير فيه أو حتى هي التي يبتدأ بعدها الكلام . { وفار التّنور } نبع الماء منه وارتفع كالقدر تفور ، و{ التنور } تنور الخبز ابتدأ منه النبوع على خرق العادة وكان في الكوفة في موضع مسجدها ، أو ي الهند أو بعين وردة من أرض الجزيرة وقيل التنور وجه الأرض أو أشرف موضع فيها . { قلنا احمل فيها } في السفينة . { من كل } من كل نوع من الحيوانات المنتفع بها . { زوجين اثنين } ذكرا وأنثى هذا على قراءة حفص والباقون أضافوا على معنى احمل اثنين من كل صنف ذكر وصنف أنثى . { وأهلك } عطف على { زوجين } أو { اثنين } ، والمراد امرأته وبنوه ونساؤهم . { إلا من سبق عليه القول } بأنه من المغرقين يريد ابنه كنعان وأمه واعلة فإنهما كانا كافرين . { ومن آمن } والمؤمنين من غيرهم . { وما آمن معه إلا قليل } قيل كانوا تسعة وسبعين زوجته المسلمة وبنوه الثلاثة سام وحام ويافث ونساؤهم واثنان وسبعون رجلا وامرأة من غيرهم . روي أنه عليه الصلاة والسلام اتخذ السفينة في سنتين من الساج وكان طولها ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسين وسمكها ثلاثين ، وجعل لها ثلاثة بطون فحمل في أسفلها الدواب والوحش وفي أوسطها الأنس وفي أعلاها الطير .