وقوله تعالى : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ ) قوله : ( جاء أمرنا ) أي جاء وقت أمرنا بالعذاب الذي استعجلوه كقولهم : ( فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين )[ هود : 32 ] وكذلك كانت عادة الأمم السالفة استعجال العذاب من رسلهم .
سمى العذاب أمر الله لما لا صنع لأحد فيه ، وكذلك المرض سماه أمر الله لما لا صنع لأحد من الخلائق فيه ، وسمى الصلاة أمر الله لما بأمره يصلى .
وقوله تعالى : ( وفار التنور ) قال أبو عوسجة : ( وفار التنور ) يقال إذا فار الماء إذا خرج يفور فورا أي غلى كما تغلي القدر وتصديقه [ قوله ][ من م ، ساقطة من الأصل ] : ( وهي تفور ) ( تكاد )[ الملك : 7و8 ] قالوا : فار أي خرج ، وظهر .
والتنور اختلف فيه ؛ قال بعضهم : التنور هو وجه الأرض ؛ قالوا : إذا رأيت المال قد خرج ، ونبع ، وظهر على وجه الأرض ، فاركب ، وقال بعضهم : التنور هو التنور الخابزة التي يخبز فيها ؛ قالوا : إذا رأيت الماء نبع من تنورك فاركب ؛ قالوا : كان الماء ينزل من السماء ، وينبع من الأرض كقوله : ( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر ) ( وفجرنا الأرض عيونا )[ القمر : 11و12 ] لكن جعل علامة وقت ركوبه السفينة هو خروج الماء من الأرض ، ونبعه منها .
وقوله تعالى : ( من كل زوجين اثنين ) ويحتمل هذا وجهين : يحتمل أن كنا قلنا له إذا فار التنور ( احمل فيها من كل زوجين اثنين ) ويحتمل أن قلنا له وقت فور الماء من التنور ( احمل فيها من كل زوجين ) .
وقوله تعالى : ( من كل زوجين اثنين ) الزوج هو اسم فرد لذي شفع ، ليس هو اسم الشفع حتى يقال عند الاجتماع ذلك ، ولكن ما ذكرنا أنه اسم لذي شفع ؛ كأن الإناث صنف وزوج ، والذكر صنف وزوج ، فيكون الذكر والأنثى زوجين ، والله أعلم .
وقوله تعالى : ( زوجين اثنين ) أي من ذكر وأنثى . ثم يحتمل زوجين من ذوي الأرواح التي يكون لهم النسل لئلا ينقطع نسلهم ، ويحتمل ذوي الأرواح وغيرها[ في الأصل : غيره ، في م : وغيره ] ، والله أعلم .
وقوله تعالى : ( وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ) قال بعضهم : قوله ( وأهلك ) أراد أهله والذين آمنوا معه ؛ يقول ( واحمل فيها من كل زوجين اثنين ) واحمل أهلك أيضا ( إلا من سبق عليه القول ) أي إلا من كان في علم الله أنه لا يؤمن ، وإلا من كان في علم الله أنه يهلك .
وقال بعضهم : قوله : ( وأهلك ) أراد أهله خاصة ، ثم استثنى من سبق عليه القول ، وهما[ في الأصل وم : وهو ] ابنه وزوجته ، وهما من أهله . ألا ترى أنه ذكر من آمن معه ؛ وهو قوله : ( ومن آمن ) أي احمل أهلك الذين آمنوا معك ( إلا من سبق عليه القول ) من أهلك وغيره[ من م ، في الأصل : غيره ] إنه في الهالكين ؟ أو يقول : ( إلا من سبق عليه القول ) إنه لا يؤمن ؛ فهذا يدل أن في أهله من كان ظالما كافرا حين[ في الأصل وم : حيث ] استثنى من أهله ، والله أعلم .
[ وقوله تعالى ][ من م ، ساقطة من الأصل ] : ( وما آمن معه إلا قليل ) يذكر هذا تذكيرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مننه ونعمه التي أنعمها عليه ؛ لأن نوحا عليه السلام مع طول مكثه بين أظهر قومه وكثرة دعائه قومه إلى دين الله ومواعظه لم يؤمن إلا القليل منهم . ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع قلة مكثه وقصر عمره آمن من قومه الكثير ؛ يعرفه نعمه عليه .
وفيه دلالة رد قول من يقول : إن المواعظ إنما تنفع الموعوظ على قدر استعمال الواعظ ، وليس هكذا ، ولكن على قدر قبول الموعوظ إياها وقدر الإقبال إليها ؛ لأن نوحا عليه السلام كان أشد الناس استعمالا للمواعظ وأكثرهم ، ثم لم يؤمن من قومه إلا القليل . دل أنه ليس لما فهموا ، ولكن لما ذكرنا .
وأما ما ذكر أهل التأويل أنه حمل في السفينة حبات العنب ، فأخذه إبليس ، فلم يعطه ، إلا أن يعطي[ في الأصل وم : أعطى ] له الشركة ، فذلك شيء ، لا علم لنا به . فإن ثبت ذلك فيكون فيه دلالة أن ليس في سائر الأنبذة والأشربة نصيب ، إنما يكون له في ما يخرج من العنب وتقدير الثلث والثلثين ، إنما يكون في عصير العنب خاصة ، ليس في غيره ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.