معاني القرآن للفراء - الفراء  
{حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلۡنَا ٱحۡمِلۡ فِيهَا مِن كُلّٖ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ وَمَنۡ ءَامَنَۚ وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٞ} (40)

وقوله : { وَفَارَ التَّنُّورُ 40 }

هو تنُّور الخابز : إِذا فار الماء من أحَرّ مكان في دارك فهي آيْة العذاب فأسر بأهلك . وقوله { مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ } والذكر والأنثى من كل نوع زوجان . وقوله { وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ } حَمَلَ معه امرأة له سوى التي هلكت ، وثلاثةَ بنينَ ونسوتهم ، وثمانين إِنسانا سوى ذلك . فذلك قوله { وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } و ( الثمانون ) هو القليل .

وقوله : { وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيها بِسْمِ اللَّهِ 41 }

( إن شئت جَعلت مَجْراها ومَرْساها ) في موضع رَفع بالياء ؛ كما تقول : إِجراؤها وإرساؤها بسم الله وبأمر الله . وإن شئت جعلت ( بسم الله ) ابتداء مكتفِياً بنفسه ، كقول القائل عند الذبيحة أو عند ابتداء المأكل وشبهه : بسم الله ويكون ( مجريها ومرسيها ) في موضع نصب يريد بسم الله في مجراها وفي مرساها . وسَمعت العرب تقول : الحمد لله سِرَارَك وإِهلالك ، وسُمع منهم الحمد لله ما إِهلالَك إِلى سرارك يريدون ما بين إهلالك إِلى سرارك .

والمجرى والمرسى ترفع ميميهما قرأ بذلك إِبراهيم النَخَعيّ والحسن وأهل المدينة . حدَّثنا محمد قال : حدَّثنا الفراء قال : حَدَّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم بن صُبَيح عن مسروق أنه قرأها ( مَجْراها ) بفتح الميم و( مُرساها ) بضم الميم . قال : وحدّثنا الفراء قال حدثنا أبو معاوية وغيره عن الأعمش عن رجل قد سماه عن عَرْفَجَة أَنه سمع عبد الله بن مسعود قرأها ( مجراها ) بفتح الميم ورفع الميم من مرسيها . وقرأ مجاهد ( مُجْرِيها ومُرسِيها ) يجعله من صفات الله عزّ وجلّ ، فيكون في مَوْضع خِفض في الإعراب لأنه معرفة . ويكون نصباً لأن مثله قد يكون نكرة لحسن الألف واللام فيهما ؛ ألا ترى أنك تقول في الكلام : بسم الله المجريها والمرسِيها . فإذا نزعت منه الألف واللام نصبته . ويدلّك على نكرته قوله : { هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنا } وقوله : { فَلَما رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ } فأضافوهُ إِلى مَعرفة ، وجعلوه نعتاً لنكرة . وقال الشاعر :

يا رُبَّ عابِطنا لو كان يأْمُلكم *** لا قى مباعدةً منكم وحرمانا

وقول الآخر :

وَيا رب هاجى مِنْقَرٍ يبتغى به *** ليَكْرُم لما أعوزته المكارمُ

وسمع الكسائي أعرابيّا يقول بعد الفطر : رُبّ صائمه لن يصومه وقائمه لن يقومه .