تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلۡنَا ٱحۡمِلۡ فِيهَا مِن كُلّٖ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ وَمَنۡ ءَامَنَۚ وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٞ} (40)

{ حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ 40 وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ 41 وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَ نَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ 42 قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ 43 وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ 44 } .

المفردات :

جاء أمرنا : بإهلاكهم .

وفار التنور : أي : نبع الماء وتدفق ، من التنور الذي يخبز فيه الخبز ، اتفقت فيه لغة العرب والعجم ، ويعبر عنه اليوم بالفرن . وقيل : وجه الأرض .

وأهلك : أهل بيت الرجل : نساؤه ، وأولاده ، وأزواجهم .

إلا من سبق عليه القول : أي : منهم بالإهلاك ، والإغراق ، وهو ولده كنعان ، وزوجة نوح عليه السلام ، وأخذ معه سام ، وحام ، ويافث ، وزوجاتهم الثلاثة .

إلا قليل : قيل : كانوا ثمانين ، نصفهم رجال ، ونصفهم نساء .

التفسير :

{ حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ . . . } الآية .

أي : حتى إذا حان وقت أمرنا بالهلاك للكافرين ؛ تتابع المطر من السماء ، ونبع من وجه الأرض ، أو من موقد الخبر ، وكان ذلك علامة للمؤمنين على بدء الطوفان .

وقال تعالى في سورة القمر : { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ } . ( القمر : 10 14 ) .

كان بدء الطوفان بقدرة الله ، مظهرا من مظاهر عظمته وقدرته ؛ فقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى .

جاء في المصحف المفسر للأستاذ محمد فريد وجدي :

نقول : { فار التنور } . معناه الحرفي : نبع التنور ، قال المفسرون : ومعناه : أنه نبع الماء من التنور ؛ إعجاز . وأنا أرى أن { فار التنور } . من الكنايات الكثير أمثالها في لغتنا ، مثل : طفح الكيل ، وطفّ الصوع ، وحمى الوطيس ، وفاض الإناء ؛ وكلها تدل على بلوغ الأمر غاية شدته وقرب انفجاره . 37 ا ه .

وعن ابن عباس : التنور وجه الأرض . أي : صارت الأرض عيونا ؛ حتى فار الماء من التنانير التي هي مكان النار صارت تفور ماء .

{ قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين } .

أي : قلنا لنوح : احمل في السفينة من كل نوع من أنواع الحيوانات زوجين اثنين ، ذكرا وأنثى ؛ للحفاظ على أصل النوع الحيواني .

{ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ } . أي : واحمل فيها أهل بيتك ذكرانا وإناثا .

{ إلا من سبق عليه القول } . بأنهم من المغرقين بسبب ظلمهم ، وهم : زوجة نوح ، و ابنها منه : يام ، أو كنعان ؛ وخذ معك كل من آمن من الرجال والنساء .

{ وما آمن معه إلا قليل } . ولم يؤمن بنوح إلا عدد قليل من الرجال والنساء ، رغم طول المدة التي مكثها فيهم ، فقد مكث يدعوهم إلى الإيمان تسعمائة وخمسين عاما ؛ وشاء الله ألا تتفتح قلوب أكثرهم لدعوة الإيمان ؛ فآمن به عدد قليل ، قيل : كانوا ستة أو ثمانية رجال ونساؤهم .

وقال ابن عباس : كانوا ثمانين نفسا ، منهم نساؤهم . ولم ير الحق سبحانه وتعالى حاجة لبيان العدد ، لقلتهم التي لا تستحق الذكر ، ولم يبين أنواع الحيوانات المحمولة ، ولا كيفية حملها فذلك متروك للبشر .