{ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير . ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله } بإرادته وقضائه { ومن يؤمن بالله } فصدق أنه لا يصيبه مصيبة إلا بإذن الله ، { يهد قلبه } يوفقه لليقين حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه فيسلم لقضائه { والله بكل شيء عليم . وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين . الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون } .
ثم بين - سبحانه - أن كل شىء بقضائه وقدره فقال : { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله } .
والمراد بالمصيبة : الرزية والنكبة ، وكل ما يسوء الإنسان فى نفسه أو ماله أو ولده . . . والمفعول محذوف ، و " من " للتأكيد ، و { مُّصِيبَةٍ } فاعل .
أى : ما أصاب أحدا مصيبة فى نفسه أو ماله أو ولده . . إلا بإذن الله - تعالى - وأمره وإرادته ، لأن كل شىء بقضائه - سبحانه - وقدره .
قال القرطبى : قيل : سبب نزولها أن الكفار قالوا : لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم الله - تعالى - عن المصائب .
فأنزل الله - تعالى - هذه الآية للرد على المشركين ، ولبيان أن كل شىء بإرادته - سبحانه - .
ثم بين - سبحانه - أن الإيمان الحق يعين على استقبال المصائب بصبر جميل فقال : { وَمَن يُؤْمِن بالله يَهْدِ قَلْبَهُ والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أى : ومن يؤمن بالله - تعالى - إيمانا حقا يهد قلبه إلى الصبر الجميل ، وإلى الاستسلام لقضائه - سبحانه - لأن إيمانه الصادق يجعله يعتقد أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، والله - تعالى - عليم بكل شىء ، لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء .
قال الإمام ابن كثير : قوله - تعالى - : { وَمَن يُؤْمِن بالله يَهْدِ قَلْبَهُ } أى : ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره : فصبر واحتسب واستسلم لقضائه - تعالى - هدى الله قلبه ، وعوضه عما فاته من الدنيا .
وفى الحديث المتفق عليه : عجبا للمؤمن ، لا يقضى الله له قضاء إلا كان خيرا له ، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن .
يقول تعالى مخبرًا بما أخبر به في سورة الحديد : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا } [ الحديد : 22 ] وهكذا قال هاهنا : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ } قال ابن عباس : بأمر الله ، يعني : عن قدره {[28920]} ومشيئته .
{ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أي : ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره ، فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله ، هدى الله قلبه ، وعَوَّضه عما فاته من الدنيا هُدى في قلبه ، ويقينا صادقًا ، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه ، أو خيرًا منه .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } يعني : يهد قلبه لليقين ، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه .
قال الأعمش ، عن أبي ظِبْيان قال : كنا عند علقمة فقرئ عنده هذه الآية : { وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } فسئل عن ذلك فقال : هو الرجل تصيبه المصيبة ، فيعلم أنها من عند الله ، فيرضى ويسلم . رواه ابن جرير{[28921]} وابن أبي حاتم في م : " وابن أبي حاتم في تفسيرهما " . {[28922]}
وقال سعيد بن جبير ، ومقاتل بن حيان : { وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } يعني : يسترجع ، يقول : { إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [ البقرة : 156 ]
وفي الحديث المتفق عليه : " عجبًا للمؤمن ، لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرًا له ، إن أصابته ضَرَّاء صبر فكان خيرًا له ، وإن أصابته سَرَّاء شكر فكان خيرًا له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن " {[28923]}
وقال أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لَهِيعة ، حدثنا الحارث بن يزيد ، عن علي بن رَبَاح ؛ أنه سمع جنادة بن أبي أمية يقول : سمعت عبادة بن الصامت يقول : إن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أي العمل أفضل ؟ قال : " إيمان بالله ، وتصديق به ، وجهاد في سبيله " . قال : أريد أهونَ من هذا يا رسول الله . قال : " لا تتهم الله في شيء ، قضى لك به " . لم يخرجوه{[28924]}
القول في تأويل قوله تعالى : { مَآ أَصَابَ مِن مّصِيبَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .
يقول تعالى ذكره : لم يصب أحدا من الخلق مصيبة إلا بإذن الله ، يقول : إلا بقضاء الله وتقديره ذلك عليه وَمَنْ يُوءْمِنْ باللّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ يقول : ومن يصدّق بالله فيعلم أنه لا أحد تصيبه مصيبة إلا بإذن الله بذلك يهد قلبه : يقول : يوفّق الله قلبه بالتسليم لأمره والرضا بقضائه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس قوله : وَمَنْ يُوءْمِنْ باللّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ يعني : يهد قلبه لليقين ، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه .
حدثني نصر بن عبد الرحمن الوشاء الأوديّ ، قال : حدثنا أحمد بن بشير ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان قال : كنا عند علقمة ، فقرىء عنده هذه الاَية : وَمَنْ يُوءْمِنْ باللّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ فسُئل عن ذلك فقال : هو الرجل تصيبه المصيبة ، فيعلم أنها من عند الله ، فيسلم ذلك ويرضى .
حدثني عيسى بن عثمان الرملي ، قال : حدثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، قال : كنت عند علقمة وهو يعرض المصاحف ، فمرّ بهذه الاَية : ما أصَابَ مِنْ مُصَيبَةٍ إلا بإذْنِ اللّهِ وَمَنْ يُوءْمِنْ باللّهِ يَهْدِ قَلبَهُ قال : هو الرجل . . . ثم ذكر نحوه .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن علقمة ، في قوله : ما أصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إلا بإذْنِ اللّهِ ، وَمَنْ يُوءْمِنْ باللّهِ يَهْدِ قَلْبُهْ قال : هو الرجل تصيبه المصيبة ، فيعلم أنها من عند الله فيسلم لها ويرضَى .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني ابن مهدي ، عن الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن علقمة مثله غير أنه قال في حديثه : فيعلم أنها من قضاء الله ، فيرضى بها ويسلم .
وقوله : وَاللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَليمٌ يقول : والله بكلّ شيء ذو علم بما كان ويكون وما هو كائن من قبل أن يكون .
وقوله تعالى : { ما أصاب من مصيبة } يحتمل أن يريد المصائب التي هي رزايا وخصها بالذكر بأنها الأهم على الناس والأبين أثراً في أنفسهم ، ويحتمل أن يريد جميع الحوادث من خير وشر ، وذلك أن الحكم واحد في أنها { بإذن الله } ، والإذن في هذا الموضع عبارة عن العلم والإرادة وتمكين الوقوع ، وقوله تعالى : { ومن يؤمن بالله يهد قلبه } قال فيه المفسرون المعنى : ومن آمن وعرف أن كل شيء بقضاء الله وقدره ، وعلمه ، هانت عليه مصيبته وسلم الأمر لله تعالى . وقرأ سعيد بن جبير وطلحة بن مصرف : «نهد » بالنون ، وقرأ الضحاك : «يُهد قلبه » برفع الياء . وقرأ عكرمة وعمرو بن دينار : «يهدأ قلبه »{[11142]} برفع القلب ، وروي عن عكرمة أنه سكن بدل الهمزة ألفاً ، على معنى أن صاحب المصيبة يسلم فتسكن نفسه ، ويرشد الله المؤمن به إلى الصواب في الأمور . وقوله تعالى : { والله بكل شيء عليم } عموم مطلق على ظاهره .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ما أصاب} ابن آدم {من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه} يعني ومن يصدق بالله في المصيبة، ويعلم أن المصيبة من الله ويسلم لأمر الله يهده الله تعالى للاسترجاع، فذلك قوله: {يهد قلبه} للاسترجاع، يقول: {إنا لله وإنا إليه راجعون} [البقرة:156]، وفي سورة البقرة يقول: {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} [البقرة:157] للاسترجاع {والله بكل شيء} من هذا {عليم}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: لم يصب أحدا من الخلق مصيبة إلا بإذن الله، يقول: إلا بقضاء الله وتقديره ذلك عليه." وَمَنْ يُؤمِنْ باللّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ "يقول: ومن يصدّق بالله فيعلم أنه لا أحد تصيبه مصيبة إلا بإذن الله بذلك "يهد قلبه": يقول: يوفّق الله قلبه بالتسليم لأمره والرضا بقضائه...
وقوله: "وَاللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَليمٌ" يقول: والله بكلّ شيء ذو علم بما كان ويكون وما هو كائن من قبل أن يكون...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{بإذن الله} يعني بأمر الله... {بإذن الله} يعني بعلم الله... {بإذن الله} يعني بمشيئة الله، ولكل من ذلك وجه...
. أي من آمن بما شاهد من التدبير يهده الله تعالى ليعلم أن من دبر هذا التدبير هو الذي ابتلاه بهذه المصيبة...
من يؤمن بالله أن له الخلق والأمر يهد قلبه ليسكن، ويعلم أن الله أولى به...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
والمصيبة: المضرة التي تلحق صاحبها كالرمية التي تصيبه...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{إِلاَّ بِإِذْنِ الله} إلا بتقديره ومشيئته، كأنه أذن للمصيبة أن تصيبه {يَهْدِ قَلْبَهُ} يلطف به ويشرحه للازدياد من الطاعة والخير...
{والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} يعلم ما يؤثر فيه اللطف من القلوب مما لا يؤثر فيه فيمنحه ويمنعه...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{ما أصاب من مصيبة} يحتمل أن يريد المصائب التي هي رزايا وخصها بالذكر بأنها الأهم على الناس والأبين أثراً في أنفسهم، ويحتمل أن يريد جميع الحوادث من خير وشر، وذلك أن الحكم واحد في أنها {بإذن الله}، والإذن في هذا الموضع عبارة عن العلم والإرادة وتمكين الوقوع...
{ومن يؤمن بالله يهد قلبه} قال فيه المفسرون المعنى: ومن آمن وعرف أن كل شيء بقضاء الله وقدره، وعلمه، هانت عليه مصيبته وسلم الأمر لله تعالى...
أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :
قَالَ الْقَاضِي: أَدْخَلَ عُلَمَاؤُنَا هَذِهِ الْآيَةَ فِي فُنُونِ الْأَحْكَامِ، وَقَالُوا: إنَّ ذَلِكَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَالتَّسْلِيمَ لِمَا يَنْفُذُ من أَمْرِ اللَّهِ، وَالْمِقْدَارُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ مِنْهُ بِالْأَحْكَامِ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى الْمَصَائِبِ لِعِلْمِ الْعَبْدِ بِالْمَقَادِيرِ من أَعْمَالِ الْقُلُوبِ؛ وَهَذَا خَارِجٌ عَنْ سُبُلِ الْأَحْكَامِ، لَكِنْ لِلْجَوَارِحِ فِي ذَلِكَ أَعْمَالٌ مِنْ دَمْعِ الْعَيْنِ، وَالْقَوْلِ بِاللِّسَانِ، وَالْعَمَلِ بِالْجَوَارِحِ، فَإِذَا هَدَأَ الْقَلْبُ جَرَى اللِّسَانُ بِالْحَقِّ. وَرَكَدَت الْجَوَارِحُ عَن الْخَرْقِ، وَلَو اسْتَرْسَلَ الدَّمْعُ لَمْ يَضُرَّ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُبَيِّنًا لِذَلِكَ: {تَدْمَعُ الْعَيْنُ، وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَإِنَّا بِك يَا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ»...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ما أصاب} أي أحداً يمكن المصائب أن تتوجه إليه، وذكر الفعل إشارة إلى القوة، وأعرق في النفي بقوله: {من مصيبة} أيّ مصيبة كانت دينية أو دنيوية من كفر أو غيره {إلا بإذن الله} أي بتقدير الملك الأعظم وتمكينه، فلا ينبغي لمؤمن أن يعوقه شيء من ذلك عن التقوى النافعة في يوم التغابن...
{ومن يؤمن بالله} أي يوجد الإيمان في وقت من الأوقات ويجدده بشهادة أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله بسبب الملك الأعظم وتقديره وإذنه {يهد قلبه} أي يزده هداية بما يجدده له من التوفيق في كل وقت حتى يرسخ إيمانه فتنزاح عنه كل مصيبة، فإنه يتذكر أنها من الله وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه فيسلم بقضائه فيصبر له ويفعل ويقول ما أمر الله به ورسوله فيخف عليه...
{والله} أي الملك الذي لا نظير له {بكل شيء} مطلقاً من غير مثنوية {عليم} فإذا تحقق من هدى قلبه ذلك زاح كل اعتقاد باطل من كفر أو بدعة أو صفة خبيثة.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
هو الإيمان الذي يرد كل شيء إلى الله، ويعتقد أن كل ما يصيب من خير ومن شر فهو بإذن الله. وهي حقيقة لا يكون إيمان بغيرها. فهي أساس جميع المشاعر الإيمانية عند مواجهة الحياة بأحداثها خيرها وشرها. كما يجوز أن تكون هناك مناسبة حاضرة في واقع الحال عند نزول هذه السورة. أو هذه الآية من السورة، فيما كان يقع بين المؤمنين والمشركين من وقائع...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
واختصت المصيبة في استعمال اللغة بما يَلحق الإِنسان من شر وضر وإن كان أصل فعلها يقال كما يصيب الإِنسان مطلقاً ولكن غلب إطلاق فعل أصاب على لحاق السوء، وقد قيل في قوله تعالى: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} [النساء: 79]...
والقصد من هذا تعليم المسلمين الصبر على ما يغلبهم من مصائب الحوادث لكيلا تُفَلّ عزائمهم ولا يهنوا ولا يلهيهم الحزن عن مهمات أمورهم وتدبير شؤونهم...
. {ومن يؤمن بالله يهد قلبه}، أي يهد قلبه عندما تصيبه مصيبة...
. والمعنى: أن المؤمن مرتاض بالأخلاق الإِسلامية متبع لوصايا الله تعالى فهو مجاف لفاسد الأخلاق من الجزع والهلع يتلقى ما يصيبه من مصيبة بالصبر والتفكر في أن الحياة لا تخلو من عوارض مؤلمة أو مكدرة...
. {ومن يؤمن بالله يهد قلبه} إيماء إلى الأمر بالثبات والصبر عند حلول المصائب لأنه يلزم من هدْي الله قلب المؤمن عند المصيبة ترغيب المؤمنين في الثبات والتصبر عند حلول المصائب فلذلك ذيل بجملة {والله بكل شيء عليم}...
.وفيه كناية عن مجازاة الصابرين بالثواب لأن فائدة علم الله التي تهم الناس هو التخلق ورجاء الثواب ورفع الدرجات...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
هذه هي الحقيقة الإيمانية التكوينية التي تجسد النظام العام للتدبير الإلهي لحركة الكون والحياة والإنسان، والتي تقرر بأن الحوادث المتنوعة في حياة الإنسان خاضعةٌ للقوانين الإلهية التي تحرك الوقائع، في ما يمثل السنن الكونية والاجتماعية، فلا مجال لأية حادثة إلا من خلال التقدير الإلهي لها، سواء كان ذلك بسبب مباشرٍ أو غير مباشر...
وليس معنى ذلك أن هذه المصائب التي تحدث للإنسان موضع رضا الله من الناحية التشريعية، لأن المسألة ليست مسألة الفعل المباشر من الله، بل هي مسألة السبب الذي جعل الله إدارته بيد العباد، وجعل العلاقة بينه وبين النتائج علاقة قانونية متصلةً بالسنن العامة، ولذلك نهى الله الإنسان عن إيجاد بعض الأسباب...
{وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} في ما يحيط به من علاقات الأشياء ببعضها البعض، وارتباط المسببات بأسبابها، وحركة الإنسان في داخل عقله وروحه...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
(ما أصاب من مصيبة إلاّ بإذن الله). فما يجري من حوادث كلّها بإذن الله لا تخرج عن إرادته أبداً، وهذا هو معنى التوحيد الأفعالي، وإنّما بدأ بذكر المصائب باعتبارها هي التي يستفهم عنها الإنسان دائماً وتشغل تفكيره. وعندما نقول يقع ذلك بإرادة الله، فإنّما نعني «الإرادة التكوينية» لا الإرادة التشريعية. وهنا يطرح سؤال مهمّ وهو: إنّ كثيراً من هذه الحوادث والكوارث التي تنزل بالناس تأتي من ظلم الظالمين وطغيان الجبابرة، أو أنّ الإنسان يبتلي بها بسبب الغفلة والجهل والتقصير... فهل أنّ ذلك كلّه بإذن الله؟ للإجابة على هذا السؤال نرجع إلى مجموع الآيات التي وردت في هذا المجال، فنلاحظ أنّها عرضت المصائب على نوعين: الأوّل: ما يكون جزءاً من طبيعة تكوين الإنسان كالموت والحوادث الطبيعية الأخرى، وهذه لا يستطيع الإنسان أن يدفعها عنه، فيقرّر القرآن الكريم بأنّ ذلك يقع بإذن الله. الثّاني: هو تلك المصائب التي تأتي من تقصير الإنسان ومن عمل يده، وله الدور الأساسي في تحقّقها، وهذه يقول القرآن: إنّها تصيبكم بسبب أعمالكم. وبناءً على ذلك فليس للإنسان أن يستسلم للظلم والجهل والفقر. ومن البديهي أنّ إرادة الله تتدخّل في جميع الأمور حتّى تلك الخاضعة لإرادة الإنسان وفعله، إذ لا تأثير لجميع الأسباب إلاّ بإذنه، وكلّ شيء خاضع لإرادته وسلطانه، ويبشّر القرآن المؤمنين بقوله: (ومن يؤمن بالله يهد قلبه). فالمؤمن لا تهزمه المصائب ولا ييأس ولا يجزع. والله يهدي الإنسان حينما يكون شكوراً لنعمه، صابراً على بلائه، مستسلماً لقضائه. ولهداية القلوب معاني كثيرة منها (الصبر) و (التسليم) و (الشكر) و (الرضى) وقول: (إنّا لله وإنّا إليه راجعون) وعندما يذكر المفسّرون أحد هذه الأمور، فإنّما يريدون بيان مصداق من مصاديق الآية لا معناها الكلّي. وتقول الآية في نهاية المطاف (والله بكلّ شيء عليم)...