تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (11)

الإيمان بالقضاء هداية

{ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( 11 ) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ( 12 ) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ( 13 ) }

11

المفردات :

ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله : ما أصابت أحدا من الناس من مصيبة إلاّ بقضاء الله تعالى وتقديره ذلك عليه .

ومن يؤمن بالله يهد قلبه : ومن يصدّق بالله فيعلم أنه لا أحد تصيبه مصيبة إلا بإذنه تعالى ، يهد قلبه للتسليم ، والرضاء بقضائه ، فيسترجع ويصبر .

التفسير :

11- { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .

من شأن المؤمن أن يؤمن بالقضاء والقدر ، خيره وشره ، حلوه ومرّه ، فإذا نزلت بساحته المصائب صبر وتصبّر وتماسك ، وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون .

وقال أيضا : اللهم اؤجرني في مصيبتي وعوضني خيرا منها .

أي : ارزقني ثواب ذلك المصاب ، وعوضني خيرا منه بفضلك .

أخرج البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " عجبا للمؤمن ، لا يقضي الله له قضاء إلاّ كان خيرا له ، إن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له ، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن " xiii

وقال ابن عباس : { بِإِذْنِ اللَّهِ } . يعني عن قدره ومشيئته . 1ه .

وهذا الرضا بالقضاء والقدر يجعل المؤمن راضيا محتسبا ، ثابت الجنان ، هادئ النفس .

{ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ . . . }

إن الإيمان بالله تعالى ، والوثوق بأنه الإله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الفعّال لما يريد ، يجعل القلب في هداية وصبر ، واحتمال وتماسك .

وقرأ السلمي وقتادة : يُهدَ قلبه . بضم الياء وفتح الدال ، ورفع الباء على البناء للمجهول .

وقرأ عكرمة : يهدأ قلبه . بهمزة ساكنة ، ورفع الباء ، أي : يسكن ويطمئن .

وقد وردت عدة قراءات في تفسير القرطبي ، وتلتقي جميعها على أنّ هداية القلب أو هدوء القلب منحة إلهية ، أو هبة ربانية وعطاء من الله للمؤمن الذي اطمأنّ إلى قضاء الله وقدره ، فرضي واحتسب وصبر ، وتيقن أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه .

قال علقمة : { وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ . . . }

هو الرجل تصيبه المصيبة ، فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلّم .

{ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .

أي : هو سبحانه مطلع على خفايا النفوس ، عليم بمن صبر وبمن جزع ، وهو سبحانه يعلم السرّ وأخفى ، فليتق المؤمن ربه ، وليصبر على البأساء ، وليشكر على النعماء ، وليكن راضيا بالقضاء والقدر ، خيره وشره ، حلوه ومرّه .

وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ( 22 ) لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } . ( الحديد : 22-23 ) .