104- لا تضعفوا في طلب القوم الكافرين الذين أعلنوا عليكم الحرب ، وحاولوا أن يغيروا عليكم من كل مكان . والحرب بلا شك ألم ، فإذا كنتم تألمون من جراحها وما يكون فيها ، فإنهم يألمون أيضاً ، والفرق بينكم وبينهم أنهم لا يطلبون الحق ولا يرجون عند الله شيئاً ، وأنتم تطلبون الحق وترجون رضا الله والنعيم الدائم . والله عليم بأعمالكم وأعمالهم ، حكيم يجازى كلاً بما يعمل .
قوله تعالى : { ولا تهنوا في ابتغاء القوم } . الآية ، سبب نزولها أن أبا سفيان رضي الله عنه وأصحابه لما رجعوا يوم أحد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طائفة في آثارهم ، فشكوا ألم الجراحات ، فقال الله تعالى : { ولا تهنوا في ابتغاء القوم } أي : لا تضعفوا في ابتغاء القوم ، في طلب القوم أبي سفيان وأصحابه .
قوله تعالى : { إن تكونوا تألمون } تتوجعون من الجراح .
قوله تعالى : { فإنهم يألمون } أي : يتوجعون ، يعني الكفار .
قوله تعالى : { كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون } ، أي : وأنتم مع ذلك تأملون من الأجر والثواب في الآخرة ، والنصر في الدنيا ما لا يرجون ، وقال بعض المفسرين : المراد بالرجاء الخوف ، لأن كل راج خائف أن لا يدركه مأموله . ومعنى الآية : وترجون من الله ، أي : وتخافون من الله ، أي : تخافون من عذاب الله ما لا يخافون ، قال الفراء رحمه الله : ولا يكون الرجاء بمعنى الخوف إلا مع الجحد ، كقوله تعالى : { قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله } [ الجاثية :14 ] أي : لا يخافونه ، وقوله تعالى : { ما لكم لا ترجون لله وقاراً } [ نوح :13 ] أي : لا تخافون لله عظمته ، ولا يجوز رجوتك بمعنى : خفتك ولا خفتك وأنت تريد رجوتك .
وقوله { وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابتغآء القوم } تشجيع للمؤمنين على مواصلة قتال أعدائهم بصبر وعزيمة .
وقوله { تَهِنُواْ } من الوهن وهو الضعف والتخاذل . والابتغاء مصدر ابتغى بمعنى المتعدى أى طلب .
أى : ولا تضعفوا - أيها المؤمنون - فى ابتغاء العدو وطلبه ، ولا تقعد بكم الآلام عن متابعته وملاحقته حتى يتم الله لكم النصر عليه .
ثم رغبهم - سبحانه - فى مواصلة طلب أعدائهم بأسلوب منطقى رصين فقال : { إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ الله مَا لاَ يَرْجُونَ } .
أى : لا تتوانوا - أيها المؤمنون - عن ملاحقة أعدائاكم ومقاتلتهم مهما تحملتم من آلام ، وما أصبتم به من جراح ، لأن ما أصابكم من آلام وجراح قد أصب أعداؤكم بمثله أو أكثر منه ، ولأن الآلام التى تحسونها هم يحسون مثلها أو أكثر منها . وفضلا عن ذلك فأنتم رجون بقتالكم لهم رضا الله ، وإعلاء كلمته ، وحسن مثوبته ، وإظهار دينه . أما هم فإنهم يقاتلونكم ولا رجاء لهم فى شئ من ذلك . وإنما رجاؤهم فى تحقيق شهواتهم ، وإرضاء شياطينهم ، وانتصار باطلهم على حقكم .
وشتان بين من يقاتل وغايته ورجاؤه نصرة الحق . ومن يقاتل وغايته ورجاؤه نصرة الباطل .
وما دام الأمر كذلك فانهضوا - أيها المؤمنون - لقتال أعداءه الله وأعدائكم ، دون أن يحول بينكم وبين قتالهم ما تحسون به من آلام ، فإن الله - تعالى - قد جعل العاقبة لكم ، والنصر فى ركابكم . .
وقريب من هذه الآية قوله - تعالى - فى سورة آل عمران : { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القوم قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس } ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله { وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً } أى : وكان الله وما زال عليما بكل شى من أحوالكم وأحوالهم ، حكيما فى كل ما يقتضيه ويأمر به أو ينهى عنه ، فسيروا - أيها المؤمنون - فى الطريق التى أمركم - سبحانه - بالسير فيها لتنالوا تأييده ورضاه .
هذا ، وقد روى المفسرون فى سبب نزول هذه الآية الكريمة روايات منها ما ذكره القرطبى من أنها نزلت فى أعقاب حرب أحد حيث أمر النبى صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالخروج فى آثار المشركين ، وكان بالمسلمين جراحات . وكان قد أمر ألا يخرج معه إلا من كان قد حضر القتال فى غزوة أحد .
وهذا السبب الذى ذكره القرطبى فى نزول الآية الكريمة لا يمنع عمومها إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وعليه فإن الآيتين الكريمتين تأمران المسلمين فى كل زمان ومكان بالمحافظة على فرائض الله ولا سيما الصلاة ، وبالإِكثار من ذكره فى جميع أحوالهم ، وبالإِقدام على قتال أعدائهم بعزيمة صادقة ، وهمة عالية ، دون أن يحول بينهم وبين هذا القتال ما يشعرون به من آلام ، فإن الله - تعالى - قد تكفل بنصر المؤمنين ، ودحر المشركين .
وقوله : { وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ } أي : لا تضعفوا في طلب عدوكم ، بل جدوا فيهم وقاتلوهم ، واقعدوا لهم كل مرصد : { إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ } أي : كما يصيبكم الجراح والقتل ، كذلك يحصل لهم ، كما قال{[8247]} { إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ } [ آل عمران : 140 ] .
ثم قال : { وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ } أي : أنتم وإياهم{[8248]} سواء فيما يصيبكم وإياهم من الجراح والآلام ، ولكن أنتم ترجون من الله المثوبة والنصر والتأييد ، وهم لا يرجون شيئا من ذلك ، فأنتم أولى بالجهاد منهم ، وأشد رغبة في إقامة كلمة الله وإعلائها .
{ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } أي : هو أعلم وأحكم فيما يقدره ويقضيه ، وينفذه ويمضيه ، من أحكامه الكونية والشرعية ، وهو المحمود على كل حال .
{ وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَآءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً } . .
يعني جل ثناؤه بقوله : { وَلا تَهِنُوا } : ولا تضعفوا ، من قولهم : وَهَنَ فلان في هذا الأمر يَهِنُ وَهُنا ووُهونا . وقوله : { فِي ابْتِغاءِ القَوْمِ } : يعني في التماس القوم وطلبهم ، والقوم هم أعداء الله وأعداء المؤمنين من أهل الشرك باللهك { إنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ } يقول : إن تكونوا أيها المؤمنون تَيْجَعون مما ينالكم من الجراح منهم في الدنيا . { فإنّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُون } يقول : فإن المشركين ييجعون مما ينالهم منكم من الجراح والأذى ، مثل ما تيجعون أنتم من جراحهم وأذاهم فيها . { وتَرْجون } أنتم أيها المؤمنون { مِنَ اللّهِ } من الثواب على ما ينالكم منهم ، { ما لا يَرْجُونَ } هم على ما ينالهم منكم . يقول : فأنتم إذ كنتم موقنين من ثواب الله لكم على ما يصيبكم منهم بما هم به مكذّبون ، وأولى وأحرى أن تصبروا على حربهم وقتالهم منهم على قتالكم وحربكم ، وأن تجدّوا من طلبهم وابتغائهم لقتالهم على ما يهنون هم فيه ولا يجدّون ، فكيف على ما جَدّوا فيه ولم يهنوا ؟ .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ القَوْمِ إنْ تَكُونُوا تَأْلُمونَ } منهم ، { فإنّهُمْ يَأْلُمونَ كمَا تَأْلمُونَ } يقول : لا تضعفوا في طلب القوم ، فإنكم إن تكونوا تيجعون ، فإنهم ييجعون كما تيجعون ، وترجون من الله من الأجر والثواب ما لا يرجون .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { وَلا تَهِنُوا في ابْتِغَاءِ القَوْمِ إنْ تَكُونُوا تَأْلُمونَ فإنّهُمْ يَأْلَمُونَ كمَا تَأْلُمونَ } قال : يقول : لا تضعفوا في طلب القوم ، فإن تكونوا تيجعون من الجراحات ، فإنهم ييجعون كما تيجعون .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ القَوْمِ } : لا تضعفوا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قوله : { وَلا تَهِنُوا } يقول : لا تضعفوا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ القَوْمِ } قال : يقول : لا تضعفوا عن ابتغائهم ، { إنْ تَكُونُوا تَأْلُمونَ } القتال ، { فإنّهُمْ يَأْلمُونَ كمَا تَأْلمُونَ } قال : وهذا قبل أن تصيبهم الجراح إن كنتم تكرهون القتال فتألمونه فإنهم يألمون كما تألمون ، { وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ ما لا يَرْجُونَ } يقول : فلا تضعفوا في ابتغائهم مكان القتال .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { إنْ تَكُونُوا تَأْلمُونَ } : توجعون .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : { إنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ } قال : توجعون لما يصيبكم منهم ، فإنهم يوجعون كما توجعون . { وتَرْجُونَ } أنتم من الثواب فيما يصيبكم { ما لاَ يَرْجُونَ } .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا حفص بن عمر ، قال : حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لما كان قتال أُحد ، وأصاب المسلمين ما أصاب ، صعد النبيّ صلى الله عليه وسلم الجبل ، فجاء أبو سفيان فقال : يا محمد لا جرح إلا بجرح ، الحرب سجال ، يوم لنا ويوم لكم ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : «أجِيبُوهُ » ! فقالوا : لا سواء ، قتلانا في الجنة ، وقتلاكم في النار . فقال أبو سفيان : عزّى لنا ولا عزّى لكم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قُولُوا لَهُ : اللّهُ مَوْلانا وَلا مَوْلَى لَكُمْ » . قال أبو سفيان : أُعْلُ هبل ! أُعْلُ هبل ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قُولُوا لَهُ : اللّهُ أعْلَى وأجَلّ » . فقال أبو سفيانُ : موعدنا وموعدكم بدر الصغرى . ونام المسلمون وبهم الكلوم . قال عكرمة : وفيها أنزلت : { إنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسّ القَوْمَ قَرْحٌ مِثلُهُ وَتِلْكَ الأيّامُ نُدَاوِلُهَا بينَ النّاس } ، وفيهم أنزلت : { إنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فإنّهُمْ يَأْلَمُونَ كمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ ما لا يَرْجُونَ وكانَ اللّهُ عَلِيما حَكِيما } .
حدثني يحيى بن أبي طالب ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : { إنْ تَكُونُوا تَأْلُمونَ فإنّهُمْ يَأْلُمونَ كمَا تَأْلُمونَ } قال : ييجعون كما تيجعون .
وقد ذكرنا عن بعضهم أنه كان يتأوّل قوله : { وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ ما لا يَرْجُونَ } : وتخافون من الله ما لا يخافون ، من قول الله : { قُلْ للّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا للّذِينَ لا يَرْجُونَ أيّامَ اللّهِ } بمعنى : لا يخافون أيام الله . وغير معروف صرف الرجاء إلى معنى الخوف في كلام العرب ، إلا مع جحد سابق له ، كما قال جلّ ثناؤه : { ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلّهِ وَقارا } بمعنى : لا تخافون لله عظمة ، وكما قال الشاعر الهذلي :
لا تَرْتجِي حِينَ تُلاقي الذّائِدَا ***أسَبْعَةً لاقَتْ مَعا أمْ وَاحِدَا
إذا لَسَعَتْهُ النّحْلُ لم يَرْجُ لَسْعَها ***وخالَفَها في بَيْتِ نُوَبٍ عَوَاسِلِ
وهي فيما بلغنا لغة أهل الحجاز ، يقولونها بمعنى : ما أبالي وما أحفل .
القول في تأويل قوله تعالى : { وكانَ اللّهُ عَلِيما حَكِيما } :
يعني بذلك جلّ ثناؤه : ولم يزل الله عليما بمصالح خلقه ، حكيما في تدبيره وتقديره ، ومن علمه أيها المؤمنون بمصالحكم عرّفكم عند حضور صلاتكم ، وواجب فرض الله عليكم ، وأنتم مواقفو عدوّكم ما يكون به وصولكم إلى أداء فرض الله عليكم ، والسلامة من عدوّكم ومن حكمته بصركم بما فيه تأييدكم ، وتوهين كيد عدوّكم .
{ ولا تهنوا } ولا تضعفوا . { في ابتغاء القوم } في طلب الكفار بالقتال . { إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون } إلزام لهم وتقريع على التواني فيه ، بأن ضرر القتال دائر بين الفريقين غير مختص بهم ، وهم يرجون من الله بسببه من إظهار الدين واستحقاق الثروات ما لا يرجو عدوهم ، فينبغي أن يكونوا أرغب منهم في الحرب وأصبر عليها . وقرئ { أن تكونوا } بالفتح بمعنى ولا تهنوا لأن تكونوا تألمون ، ويكون قوله فإنهم يألمون علة للنهي عن الوهن لأجله . والآية نزلت في بدر الصغرى . { وكان الله عليما } بأعمالكم وضمائركم . { حكيما } فيما يأمر وينهي .
عطف على جملة { وخذوا حذركم إنّ الله أعدّ للكافرين عذاباً مهيناً } [ النساء : 102 ] زيادة في تشجيعهم على قتال الأعداء ، وفي تهوين الأعداء في قلوب المسلمين ، لأنّ المشركين كانوا أكثر عدداً من المسلمين وأتمّ عُدّة ، وما كان شرع قصر الصلاة وأحوال صلاة الخوف ، إلاّ تحقيقاً لنفي الوهن في الجهاد .
والابتغاءُ مصدر ابتغى بمعنى بَغي المتعدّي ، أي الطلب ، وقد تقدّم عند قوله : { أفغير دين الله تبغون } في سورة آل عمران ( 83 ) .
والمراد به هنا المُبادأة بالغزوِ ، وأن لا يتقاعسوا ، حتّى يكون المشركون هم المبتدئين بالغزو . تقول العرب : طلبنا بني فلان ، أي غزوناهم . والمبادىء بالغزو له رعب في قلوب أعدائه . وزادهم تشجيعاً على طلب العدوّ بأنّ تَألّم الفريقين المتحاربين واحد ، إذ كلٌ يخشى بأس الآخر ، وبأنّ للمؤمنين مزية على الكافرين ، وهي أنّهم يرجون من الله ما لا يرجوه الكفّار ، وذلك رجاء الشهادة إن قتلوا ، ورجاء ظهور دينه على أيديهم إذا انتصروا ، ورجاء الثواب في الأحوال كلّها . وقوله : { من الله } متعلّق ب { ترجون } . وحذف العائد المجرور بمن من جملة { ما لا يرجون } لدلالة حرف الجرّ الذي جُرّ به اسم الموصول عليه ، ولك أن تجعل مَا صْدق { ما لا يرجون } هو النصر ، فيكون وعداً للمسلمين بأنّ الله ناصرهم ، وبشارة بأنّ المشركين لا يرجون لأنفسهم نصراً ، وأنّهم آيسون منه بما قذف الله في قلوبهم من الرعب ، وهذا ممّا يفتّ في ساعدهم . وعلى هذا الوجه يكون قوله : { من الله } اعتراضاً أو حالاً مقدّمة على المجرور بالحرف ، والمعنى على هذا كقوله : { ذلك بأنّ الله مولى الذين آمنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم } [ محمد : 11 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ولا تهنوا في ابتغاء القوم}: ولا تعجزوا، كقوله: {فما وهنوا} (آل عمران: 146)، يعني فما عجزوا في طلب أبي سفيان وأصحابه يوم أحد بعد القتل بأيام، فاشتكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الجراحات، فأنزل الله عز وجل: {إن تكونوا تألمون}، يعني تتوجعون، {فإنهم يألمون كما تألمون}: يتوجعون كما تتوجعون، {وترجون من الله}: من الثواب والأجر، {ما لا يرجون}، يعني أبا سفيان وأصحابه. {وكان الله عليما} بخلقه {حكيما} في أمره...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
{فِي ابْتِغاءِ القَوْمِ}: في التماس القوم وطلبهم، والقوم هم أعداء الله وأعداء المؤمنين من أهل الشرك بالله.
{إنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ}: إن تكونوا أيها المؤمنون تَيْجَعون مما ينالكم من الجراح منهم في الدنيا. {فإنّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُون} يقول: فإن المشركين ييجعون مما ينالهم منكم من الجراح والأذى، مثل ما تيجعون أنتم من جراحهم وأذاهم فيها. {وتَرْجون} أنتم أيها المؤمنون {مِنَ اللّهِ} من الثواب على ما ينالكم منهم، {ما لا يَرْجُونَ} هم على ما ينالهم منكم. يقول: فأنتم إذ كنتم موقنين من ثواب الله لكم على ما يصيبكم منهم بما هم به مكذّبون، وأولى وأحرى أن تصبروا على حربهم وقتالهم منهم على قتالكم وحربكم، وأن تجدّوا من طلبهم وابتغائهم لقتالهم على ما يهنون هم فيه ولا يجدّون، فكيف على ما جَدّوا فيه ولم يهنوا؟...
وقد ذكرنا عن بعضهم أنه كان يتأوّل قوله: {وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ ما لا يَرْجُونَ}: وتخافون من الله ما لا يخافون، من قول الله: {قُلْ للّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا للّذِينَ لا يَرْجُونَ أيّامَ اللّهِ}: لا يخافون أيام الله. وغير معروف صرف الرجاء إلى معنى الخوف في كلام العرب، إلا مع جحد سابق له، كما قال جلّ ثناؤه: {ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلّهِ وَقارا}: لا تخافون لله عظمة.
{وكانَ اللّهُ عَلِيما حَكِيما}: ولم يزل الله عليما بمصالح خلقه، حكيما في تدبيره وتقديره، ومن علمه أيها المؤمنون بمصالحكم عرّفكم عند حضور صلاتكم، وواجب فرض الله عليكم، وأنتم مواقفو عدوّكم ما يكون به وصولكم إلى أداء فرض الله عليكم، والسلامة من عدوّكم ومن حكمته بصركم بما فيه تأييدكم، وتوهين كيد عدوّكم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون وترجون من الله ما لا يرجون} في الآية دلالة فرضية الجهاد، لأنه عز وجل أخبر أنهم يألمون، ويتوجعون بما يصيبهم من الجراحات كما تألمون أنتم، وتتوجعون. فلو كان فضلا لكان يرفع عنهم الجهاد عند الألم والتوجع كما يرفع شأن النوافل عند الألم والتوجع. فدل أنه فرض، لكنه فرض كفاية، وفرض الكفاية يسقط بقيام البعض عن الباقين...
قوله تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا في ابْتِغَاءِ القَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ} الآية. هو حَثٌّ على الجهاد وأمْرٌ به ونَهْيٌ عن الضعف عن طلبهم ولقائهم؛ لأن الابتغاء هو الطلب، والوهن ضعف القلب والجبن الذي يستشعره الإنسان عند لقاء العدو. واستدعاهم إلى نفي ذلك واستشعار الجرأة والإقدام عليهم بقوله: {إنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ}، فأخبر أنهم يساوونكم فيما يلحق من الألم بالقتال وأنكم تفضلونهم، فإنكم تَرْجُون من الله ما لا يرجون، فأنتم أوْلى بالإقدام والصبر على ألم الجراح منهم، إذ ليس لهم هذا الرجاء وهذه الفضيلة...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَلاَ تَهِنُواْ}: ولا تضعفوا ولا تتوانوا {فِي ابتغاء القوم}: في طلب الكفار بالقتال والتعرض به لهم، ثم ألزمهم الحجة بقوله: {إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ} أي ليس ما تكابدون من الألم بالجرح والقتل مختصاً بكم، إنما هو أمر مشترك بينكم وبينهم يصيبهم كما يصيبكم، ثم إنهم يصبرون عليه ويتشجعون. فما لكم لا تصبرون مثل صبرهم، مع أنكم أولى منهم بالصبر لأنكم {تَرْجُونَ مِنَ الله مَا لاَ يَرْجُونَ} من إظهار دينكم على سائر الأديان، ومن الثواب العظيم في الآخرة. وقرأ الأعرج: «أن تكونوا تألمون»، بفتح الهمزة، بمعنى: ولا تهنوا لأن تكونوا تألمون. وقوله: {فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ} تعليل... وروي أن هذا في بدر الصغرى، كان بهم جراح فتواكلوا. {وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً} لا يكلفكم شيئاً ولا يأمركم ولا ينهاكم إلا لما هو عالم به مما يصلحكم.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
هذا تشجيع لنفوس المؤمنين، وتحقير لأمر الكفرة،...
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
نهوا عن أن يقع منهم ما يترتب عليه إهانتهم من كونهم يجنون على أعدائهم فيهانون... {وكان الله عليماً حكيماً} أي عليماً بنياتكم حكيماً فيما يأمركم به وينهاكم عنه...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما عرف من ذلك أن آيات الجهاد في هذه السورة معلمة للحذر خوف الضرر، مرشدة إلى إتقان المكائد للتخلص من الخطر، وكان ذلك مظنة لمتابعة النفس والمبالغة فيه، وهو مظنة للتواني في أمر الجهاد؛ أتبع ذلك قوله تعالى منبهاً على الجد في أمره، وأنه لم يدع في الصلاة ولا غيرها ما يشغل عنه، عاطفاً على نحو: فافعلوا ما أمرتكم به، أو على {فأقيموا الصلاة}: {ولا تهنوا} أي تضعفوا وتتوانوا بالاشتغال بذكر ولا صلاة، فقد يسرت ذلك لكم تيسيراً لا يعوق عن شيء من أمر الجهاد {في ابتغاء القوم} أي طلبهم بالاجتهاد وإن كانوا في غاية القوم والقيام بالأمور...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{ولا تهنوا في ابتغاء القوم} أي عليكم بالعزيمة وعلوّ الهمة مع أخذ الحذر والاستعداد حتى لا يلمّ بكم الوهن وهو الضعف مطلقا أو في الخلق أو الخلق كما قال الراغب. في ابتغاء القوم الذين ناصبوكم العداوة أي طلبهم، فهو أمر بالهجوم بعد الفراغ من الصلاة، بعد الأمر بأخذ الحذر وحمل السلاح عند أدائها، وذلك أن الذي يلتزم الدفاع في الحرب تضعف نفسه وتهن عزيمته، والذي يوطن نفسه على المهاجمة تعلو همته وتشتد عزيمته، فالنهي عن الوهن نهي عن سببه، وأمر بالأعمال التي تضاده فتحول دون عروضه، {إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون} لأنهم بشر مثلكم، يعرض لهم من الوجع والألم مثل ما يعرض لكم، لأن هذا من شأن الأجسام الحية المشترك بينكم وبينهم. {وترجون من الله ما لا يرجون} لأنكم تعلمون من الله ما لا يعلمون، وتخصونه بالعبادة والاستعانة وهم به مشركون، وقد وعدكم الله إحدى الحسنيين النصر أو الجنة بالشهادة إذا كنتم للحق تنصرون، وعن الحقيقة تدافعون، فهذا التوحيد في الإيمان، والوعد من الرحمن، هما مدعاة الأمل والرجاء، ومنفاة اليأس والقنوط، والرجاء يبعث القوة، ويضاعف العزيمة، فيدأب صاحبه على عمله بالصبر والثبات. واليأس يميت الهمة، ويضعف العزيمة، فيغلب على صاحبه الجزع والفتور، فإذا استويتم معهم في آلام الأبدان، فقد فضلتموهم بقوة الوجدان، وجرأة الجنان، والثقة بحسن العاقبة، فأنتم إذا أجدر بالمهاجمة، فلا تهنوا بالتزام خطة المدافعة، وكان الله عليما حكيما وقد ثبت في علمه المحيط، واقتضت حكمته البالغة، ومضت سنته الثابتة، بأن يكون النصر للمؤمنين على الكافرين، ما داموا بهديه عاملين، وعلى سننه سائرين...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ويختم هذا الدرس بالتشجيع على المضي في الجهاد؛ مع الألم والضنى والكلال. ويلمس القلوب المؤمنة لمسة عميقة موحية، تمس أعماق هذه القلوب، وتلقي الضوء القوي على المصائر والغايات والاتجاهات:
(ولا تهنوا في ابتغاء القوم. إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون. وترجون من الله ما لا يرجون. وكان الله عليما حكيمًا)..
إنهن كلمات معدودات. يضعن الخطوط الحاسمة، ويكشفن عن الشقة البعيدة، بين جبهتي الصراع..
إن المؤمنين يحتملون الألم والقرح في المعركة. ولكنهم ليسوا وحدهم الذين يحتملونه.. إن أعداءهم كذلك يتألمون وينالهم القرح والألواء.. ولكن شتان بين هؤلاء وهؤلاء.. إن المؤمنين يتوجهون إلى الله بجهادهم، ويرتقبون عنده جزاءهم.. فأما الكفار فهم ضائعون مضيعون، لا يتجهون لله، ولا يرتقبون عنده شيئا في الحياة ولا بعد الحياة..
فإذا أصر الكفار على المعركة، فما أجدر المؤمنين أن يكونوا هم أشد إصرارا، وإذا احتمل الكفار آلامها، فما أجدر المؤمنين بالصبر على ما ينالهم من آلام. وما أجدرهم كذلك أن لا يكفوا عن ابتغاء القوم ومتابعتهم بالقتال، وتعقب آثارهم، حتى لا تبقى لهم قوة، وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله.
وإن هذا لهو فضل العقيدة في الله في كل كفاح. فهناك اللحظات التي تعلو فيها المشقة على الطاقة، ويربو الألم على الاحتمال. ويحتاج القلب البشري إلى مدد فائض وإلى زاد. هنالك يأتي المدد من هذا المعين، ويأتي الزاد من ذلك الكنف الرحيم.
ولقد كان هذا التوجيه في معركة مكشوفة متكافئة. معركة يألم فيها المتقاتلون من الفريقين. لأن كلا الفريقين يحمل سلاحه ويقاتل.
ولربما أتت على العصبة المؤمنة فترة لا تكون فيها في معركة مكشوفة متكافئة.. ولكن القاعدة لا تتغير. فالباطل لا يكون بعافية أبدا، حتى ولو كان غالبا! إنه يلاقي الآلام من داخله. من تناقضه الداخلي؛ ومن صراع بعضه مع بعض. ومن صراعه هو مع فطرة الأشياء وطبائع الأشياء.
وسبيل العصبة المؤمنة حينئذ أن تحتمل ولا تنهار. وأن تعلم أنها إن كانت تألم، فإن عدوها كذلك يألم. والألم أنواع. والقرح ألوان.. (وترجون من الله ما لا يرجون) وهذا هو العزاء العميق. وهذا هو مفرق الطريق..
يعلم كيف تعتلج المشاعر في القلوب. ويصف للنفس ما يطب لها من الألم والقرح.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
عطف على جملة {وخذوا حذركم إنّ الله أعدّ للكافرين عذاباً مهيناً} [النساء: 102] زيادة في تشجيعهم على قتال الأعداء، وفي تهوين الأعداء في قلوب المسلمين، لأنّ المشركين كانوا أكثر عدداً من المسلمين وأتمّ عُدّة، وما كان شرع قصر الصلاة وأحوال صلاة الخوف، إلاّ تحقيقاً لنفي الوهن في الجهاد. والابتغاءُ مصدر ابتغى بمعنى بَغي المتعدّي، أي الطلب،... والمراد به هنا المُبادأة بالغزوِ، وأن لا يتقاعسوا، حتّى يكون المشركون هم المبتدئين بالغزو. تقول العرب: طلبنا بني فلان، أي غزوناهم. والمبادئ بالغزو له رعب في قلوب أعدائه. وزادهم تشجيعاً على طلب العدوّ بأنّ تَألّم الفريقين المتحاربين واحد، إذ كلٌ يخشى بأس الآخر، وبأنّ للمؤمنين مزية على الكافرين، وهي أنّهم يرجون من الله ما لا يرجوه الكفّار، وذلك رجاء الشهادة إن قتلوا، ورجاء ظهور دينه على أيديهم إذا انتصروا، ورجاء الثواب في الأحوال كلّها...
ولك أن تجعل مَا صْدق {ما لا يرجون} هو النصر، فيكون وعداً للمسلمين بأنّ الله ناصرهم، وبشارة بأنّ المشركين لا يرجون لأنفسهم نصراً، وأنّهم آيسون منه بما قذف الله في قلوبهم من الرعب، وهذا ممّا يفتّ في ساعدهم...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
إن هذا النص بعد صلاة الخوف يدل على وجوب الاستمرار في القتال من غير وهن ولا ضعف، وجوب الاستمرار في طلب مواطن الضعف في الأعداء، ليكون الغلب لكلمة الحق وكلمة الله سبحانه وتعالى، فالسياق على هذا يكون: إنكم إذا أديتم الصلاة فاتجهوا من بعدها، وقد تسلحتم بذكر الله، إلى القتال...
وفي جعل رجاء المؤمنين من الله، في قوله تعالى: {وترجون من الله}، إشعار للمؤمنين بأنهم في جانب الله تعالى، وأن رجاءهم عنده وهو يجيب رجاء المؤمن ودعاءه، ويؤيده بنصره... وإذا كان الرجاء من الله، فهو رجاء من العليم بكل شيء الحكيم الذي يضع الأمور في مواضعها وينصر من ينصره بحكمته ولذا قال سبحانه: {وكان الله عليما حكيما}...
الابتغاء هو أن يجعل الإنسان شيئا بغية له، أي هدفا وغاية ويجند لها كل تخطيطات الفكر ومتعلقات الطاقة،.. فالطلب منه سبحانه: ألا تهنوا ولا تضعفوا في طلب القوم الذين يقفون في وجه الدعوة، ثم قال سبحانه: "إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون "أي إنه إذا كان يصيبكم ألم الحرب والإعداد لها، فأنتم أيضا تحاربون قوما يصيبهم ألم المواقع والحروب والإعداد لها، فأنتم وهم متساوون في إدراك الألم والمشقة والتعب، ولكن يجب ألا يغفلوا عن تقييم القوة فلا تهملوها، لأنها هي القوة المرجحة فأنتم تزيدون عليهم أنكم ترجون من الله ما لا يرجون. والأشياء يجب أن تقوم بغاياتها والثواب على العمل ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى في شرح هذه المعادلة حتى تكون الأذهان على بينة منها إعدادا وخوضا للحرب واحتمالا لآلامها: {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين} (من الآية52سورة التوبة). عليكم أيها الكافرون أن تعلموا أن الذي ينتظرنا هو إحدى الحسنيين إما أن ننتصر ونقهركم وإما أن نستشهد فنظفر بالحياة الأخرى. وماذا عن تربص المؤمنين بالكافرين: {ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا} (من الآية52سورة التوبة) كفة من إذن هي الراجحة في المعادلة؟ إنها كفة المؤمنين لذلك قال الحق: "ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون "فلا تضعفوا أيها المؤمنون في طلب القوم لأنهم يألمون كما تألمون، ولكن لكم مرجحا أعلى وهو أنكم ترجون من الله ما لا يرجون...
"وكان الله عليما حكيما" إنه عليما حكيما "إنه عليم بكل ما يصيب المؤمن من ألم، فلا تعتقد أيها المؤمن أن لك أجرا سيضيع منك، فالشوكة التي تشاك بها في القتال محسوبة لك، وهو سبحانه وتعالى يتركك تألم أمام الكافر كما يألم، فذلك لحكمة هي أن تسير إلى القتال وأنت واثق من قدرة إيمانك على تحمل تبعات هذا الدين. عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما يصيب المؤمن من شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة أو حط عنه خطيئة)...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
إنّها دعوة للأخذ بأسباب القوة، من خلال ما يوحيه الإيمان بالله والثقة بنصره وعدم الاستسلام للوهن، وذلك لما يهوّله الشيطان ويثيره من نوازع الضعف. {وَلاَ تَهِنُواْ} أي: لا تضعفوا، بل تابعوا الهجوم والملاحقة... وربما نستوحي من أجواء الآية أن القضية المطروحة هي أن يبقى المسلمون في خط المواجهة للأعداء، الذين يعملون على إسقاط الواقع الثقافي والسياسي والاقتصادي والأمني، بالرغم من اختلال موازين القوى، ومن الآلام الروحية والجسدية، المادّية والمعنوية، لأن طبيعة الصراع في عملية الكرّ والفرّ في حركة التجاذب المتبادل بين الفريقين، تفرض توزيع الآلام على الجميع،...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
(ولا تهنوا في ابتغاء القوم) وهذا تأكيد على ضرورة أن لا يواجه المسلمون عدوهم اللدود بأسلوب دفاعي، بل عليهم أن يقابلوا هذا العدو بروح هجومية دائماً، لأنّ هذا الأسلوب الأخير له أثر قامع للعدو ومؤكد على معنوياته...