قوله تعالى : { من قبل أن يأتيكم العذاب بغتةً وأنتم لا تشعرون أن تقول نفس } يعني : لئلا تقول نفس كقوله :{ وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم } ( النحل-15 ) يعني : لئلا تميد بكم . قال المبرد : أي : بادروا واحذروا أن تقول نفس ، وقال الزجاج : خوف أن تصيروا إلى حال تقولون هذا القول . { يا حسرتي } يا ندامتا ، والتحسر الاغتمام على ما فات ، وأراد يا حسرتي على الإضافة . لكن العرب تحول ياء الكناية ألفاً في الاستغاثة ، فتقول : يا ويلتي ويا ندامتا ، وربما ألحقوا بها الياء بعد الألف ليدل على الإضافة ، وكذلك قرأ أبو جعفر " يا حسرتاي " وقيل : معنى قوله : { يا حسرتا } يا أيتها الحسرة هذا وقتك { على ما فرطت في جنب الله } ، قال الحسن : قصرت في طاعة الله . وقال مجاهد : في أمر الله ، وقال سعيد بن جبير : في حق الله ، وقيل : ضيعت في ذات الله : وقيل : معناه قصرت في الجانب الذي يؤدي إلى رضاء الله ، والعرب تسمي الجنب جانباً . { وإن كنت لمن الساخرين } المستهزئين بدين الله ، وكتابه ، ورسوله ، والمؤمنين . قال قتادة : لم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى جعل يسخر بأهل طاعته .
وقوله : { أَن تَقُولَ نَفْسٌ ياحسرتا على مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ الله . . . } أى : بسبب تفريطى وتقصيرى فى طاعة الله ، وفى حقه - تعالى - .
وأصل الجنب والجانب : الجهة المحسوسة للشئ ، وأطلق على الطاعة على سبيل المجاز ، حيث شبهت بالجهة . بجامع تعلق كل منهما - أى الجانب والطاعة - بصاحبه . إذ الطاعة لها تعلق بالله - تعالى - . كما أن الجهة لها تعلق بصاحبها .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم نكرت " نفس " ؟ قلت : لأن المراد بها بعض الأنفس وهى نفس الكافر . ويجوز أن يكون نفس متميزة من الأنفس : إما بلجاج فى الكفر شديد ، أو بعذاب عظيم ، ويجوز أن يراد التكثير ، كما قال الأعشى :
دعا قومه حولى فجاءوا لنصره . . . وناديت قوما بالمسناة غيبا
ورب بقيع لو هتفت بجوه . . . أتانى كريم ينفض الرأس مغضبا
وهو يريد : أفواجا من الكرام ينصرونه ، لا كريما واحدا . .
وجملة { وَإِن كُنتُ لَمِنَ الساخرين } فى محل نصب على الحال . أى : فرطت فى جنب الله وطاعته ، والحال أنى لم أكن إلا من الساخرين بدينه ، المستهزئين بأتباع هذا الدين الحق .
{ أن تقول نفس } كراهة أن تقول وتنكير { نفس } لأن القائل بعض الأنفس أو للتكثير كقول الأعشى :
ورب بقيع لو هتفت بجوه *** أتاني كريم ينفض الرأس مغضبا
{ يا حسرتى } وقرئ بالياء على الأصل . { على ما فرطت } بما قصرت . { في جنب الله } في جانبه أي في حقه وهو طاعته . قال سابق البريري :
أما تتقين الله في جنب وامق *** له كبد حرى عليك تقطع
إن السماحة والمروءة والندى *** في قبة ضربت على ابن الحشرج
وقيل في ذاته على تقدير مضاف كالطاعة وقيل في قربه من قوله تعالى : { والصاحب بالجنب } وقرئ " في ذكر الله " . { وإن كنت لمن الساخرين } المستهزئين بأهله ومحل { إن كنت } نصب على الحال كأنه قال فرطت وأنا ساخر .
{ أن } في هذه الآية مفعول من أجله أي أنيبوا وأسلموا من أجل أن تقول .
وقرأ جمهور الناس : «يا حسرتى » والأصل «يا حسرتي » ، ومن العرب من يرد ياء الإضافة ألفاً فيقول : يا غلاماً ويا جاراً{[9916]} . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع : «يا حسرتايَ » بفتح الياء ، ورويت عنه بسكون الياء ، قال أبو الفتح : جمع بين العوض والمعوض منه{[9917]} . وروى ابن جماز عن أبي جعفر : «يا حسرتي » بكسر التاء وسكون الياء . قال سيبويه : ومعنى نداء الحسرة والويل ، أي هذا وقتك وزمانك فاحضري . و : { فرطت } معناه : قصرت في اللازم .
وقوله تعالى : { في جنب الله } معناه : في مقاصدي إلى الله وفي جهة طاعته ، أي في تضييع شريعته والإيمان به . والجنب : يعبر به عن هذا ونحوه . ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]
أفي جنب بكر قطعتني ملامة . . . لعمري لقد طالت ملامتها بيا{[9918]}
الناس جنب والأمير جنب . . . {[9919]}
وقال مجاهد : { في جنب الله } أي في أمر الله . وقول الكافر : { وإن كنت لمن الساخرين } ندامة على استهزائه بأمر الله تعالى . والسخر : الاستهزاء .