المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (153)

153- ولا تحيدوا عن النهج الذي رسمتْه لكم ، لأنه هو الطريق المستقيم الموصل إلى سعادة الدارين ، بل اتبعوه ، ولا تتبعوا الطرق الباطلة التي نهاكم الله عنها حتى لا تتفرَّقوا شيعاً وأحزاباً ، وتبعدوا عن صراط الله السوي . أمركم الله أمراً مؤكداً بذلك لتتجنبوا مخالفته .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (153)

قوله تعالى : { وأن هذا } ، أي : هذا الذي وصيتكم به في هاتين الآيتين .

قوله تعالى : { صراطي } ، طريقي وديني .

قوله تعالى : { مستقيماً } ، مستوياً ، قويماً .

قوله تعالى : { فاتبعوه } ، قرأ حمزة والكسائي و( إن ) بكسر الألف على الاستئناف ، وقرأ الآخرون : بفتح الألف ، قال الفراء : والمعنى وأتل عليكم أن هذا صراطي مستقيماً . وقرأ ابن عامر ويعقوب : بسكون النون .

قوله تعالى : { ولا تتبعوا السبل } ، أي : الطرق المختلفة التي عدا هذا الطريق ، مثل اليهودية والنصرانية ، وسائر الملل ، وقيل : الأهواء والبدع .

قوله تعالى : { فتفرق } ، فتميل .

قوله تعالى : { بكم } ، وتشتت .

قوله تعالى : { عن سبيله } ، عن طريقه ودينه الذي ارتضى ، وبه أوصى .

قوله تعالى : { ذلكم } ، الذي ذكرنا .

قوله تعالى : { وصاكم به لعلكم تتقون } .

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الصمد الراني المعروف بأبي بكر بن أبي الهيثم ، أخبرنا الحاكم أبو الفضل محمد بن الحسين الحدادي ، ثنا أبو بكر بن يحيى بن خالد ، ثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، ثنا عبد الرحمن ابن مهدي ، عن حماد بن زيد ، عن عاصم بن بهدلة ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً ثم قال : هذا سبيل الله ، ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله ، وقال : هذه سبل ، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ، ثم قرأ : { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه } الآية .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (153)

أما الوصية العاشرة فهى قوله - تعالى - فى الآية الثالثة من هذه الآيات : { وَأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فاتبعوه وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } .

قرأة الجمهور بفتح همزة { أَنَّ } وتشديد النون . ومحلها مع ما فى حيزها الجر بحذف لام العلة . أى : ولأن هذا الذى وصيتكم به من الأوامر والنواهى طريقى ودينى الذى لا اعوجاج فيه ، فمن الواجب عليكم أن تتبعوه وتعملوا به .

ويحتمل أن يكون محلها مع ما فى حيزها النصب على { مَا حَرَّمَ } أى : وأتلوا عليكم أن هذا صراطى مستقيما .

وقرأ حمزة والكسائى " إن " بكسر الهمزة على الاستئناف .

وقوله { وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل } يعنى الأديان الباطلة ، والبدع والضلالات الفاسدة { فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } أى : فتفرقكم عن صراط الله المستقيم وهو دين الإسلام الذى ارتضاه لكم .

روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه - قال : " خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ثم قال : هذا سبيل الله ، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله ثم قال : هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ { وَأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً } " .

وقد أفرد - سبحانه - الصراط المستقيم وهو سبيل الله ، وجمع السبل المخالفة له لأن الحق واحد والباطل ما خالفه وهو كثير فيشمل الأديان الباطلة ، والبدع الفاسدة ، والشبهات الزائفة ، والفرق الضالة وغيرها .

ثم ختمت الآية بقوله - تعالى - { ذلكم وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } أى : ذلكم المذكور من اتباع سبيله - تعالى - وترك اتباع السبل وصاكم الله به لعلكم تتقون اتباع سبل الكفر والضلالة ، وتعملون بما جاءكم به هذا الدين .

قال أبو حيان : ولما كانت الخمسة المذكورة فى الآية الأولى من الأمور الظاهرة الجلية مما يجب تعلقها وتفهمها ختمت الآية بقوله { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } ، ولما كانت الأربعة المذكورة فى الآية الثانة خافية غامضة ولا بد فيها من الاجتهاد والتفكر حتى يقف الإنسان فيها على موضع الاعتدال ختمت بقوله : { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ولما كان الصراط المستقيم هو الجامع للتكاليف ، وأمر - سبحانه - باتباعه ونهى عن اتباع السبل المختلفة ختم ذلك بالتقوى التى هى اتقاء النار ، إذ من اتبع صراطه نجا النجاة الأبدية وحصل على السعادة السرمدية " .

وبعد : فهذه هى الوصايا العشر التى جاءت بها هذه الآيات الكريمة ، والمتأمل فيها يراها قد وضعت أساس العقيدة السليمة فى توحيد الله - تعالى - وبنت الأسرة الفاضلة على أساس الإحسان بالوالدين والرحمة بالأبناء ، وحفظت المجتمع من التصدع عن طريق تحريمها لانتهاك الأنفس والأموال والأعراض ، ثم ربطت كل ذلك بتقوى الله التى هى منبع كل خير وسبيل كل فلاح .

فأين المسلمون اليوم من هذه الوصايا ؟ إنهم لو عملوا بها لعزوا فى دنياهم ولسعدوا فى أخراهم ، فهل تراهم فاعلون ؟

اللهم خذ بيدنا إلى ما يرضيك وجنبنا مالا يرضيك .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (153)

136

هذه القواعد الأساسية الواضحة التي تكاد تلخص العقيدة الإسلامية وشريعتها الاجتماعية مبدوءة بتوحيد الله ومختومة بعهد الله ، وما سبقها من حديث الحاكمية والتشريع . . . هذه هي صراط الله المستقيم . . صراطه الذي ليس وراءه إلا السبل المتفرقة عن السبيل :

( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله . . ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) . .

وهكذا يختم القطاع الطويل من السورة الذي بدأ بقوله تعالى :

( أفغير الله أبتغي حكماً ، وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً ) . .

وانتهى هذه النهاية ، بهذا الإيقاع العريض العميق . .

وضم بين المطلع والختام قضية الحاكمية والتشريع ، كما تبدو في مسألة الزروع والأنعام ، والذبائح والنذور ، إلى كل القضايا العقيدية الأساسية ، ليدل على أنها من هذه القضايا . التي أفرد لها السياق القرآني كل هذه المساحة ؛ وربطها بكل محتويات السورة السابقة التي تتحدث عن العقيدة في محيطها الشامل ؛ وتتناول قضية الألوهية والعبودية ذلك التناول الفريد .

إنه صراط واحد - صراط الله - وسبيل واحدة تؤدي إلى الله . . أن يفرد الناس الله - سبحانه - بالربوبية ، ويدينوا له وحده بالعبودية ؛ وأن يعلموا أن الحاكمية لله وحده ؛ وأن يدينوا لهذه الحاكمية في حياتهم الواقعية . .

هذا هو صراط الله ؛ وهذا هو سبيله . . وليس وراءه إلا السبل التي تتفرق بمن يسلكونها عن سبيله .

( ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) . .

فالتقوى هي مناط الاعتقاد والعمل . والتقوى هي التي تفيء بالقلوب إلى السبيل . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (153)

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : { فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } وقوله { أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } [ الشورى : 13 ] ، ونحو هذا في القرآن ، قال : أمر الله المؤمنين بالجماعة ، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة{[11385]} ، وأخبرهم أنه إنما{[11386]} هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله ونحو هذا . قاله{[11387]} مجاهد ، وغير واحد .

وقال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا الأسود بن عامر : شاذان ، حدثنا أبو بكر - هو ابن عياش - عن عاصم - هو ابن أبي النجود - عن أبي وائل ، عن عبد الله - هو ابن مسعود ، رضي الله عنه - قال : خَطَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًا بيده ، ثم قال : " هذا سَبِيل الله مستقيما " . وخط على يمينه وشماله ، ثم قال : " هذه السُّبُل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه " . ثم قرأ : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ }

وكذا رواه الحاكم ، عن الأصم ، عن أحمد بن عبد الجبار ، عن أبي بكر بن عياش ، به . وقال : صحيح [ الإسناد ]{[11388]} ولم يخرجاه{[11389]} .

وهكذا رواه أبو جعفر الرازي ، وورقاء وعمرو بن أبي قيس ، عن عاصم ، عن أبي وائل شقيق ابن سلمة ، عن ابن مسعود به مرفوعا نحوه .

وكذا رواه يزيد بن هارون ومُسدَّد والنسائي ، عن يحيى بن حبيب بن عربي - وابن حِبَّان ، من حديث ابن وَهْب - أربعتهم عن حماد بن زيد ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود ، به .

وكذا رواه ابن جرير ، عن المثنى ، عن الحِمَّاني ، عن حماد بن زيد ، به .

ورواه الحاكم عن أبي بكر بن إسحاق ، عن إسماعيل بن إسحاق القاضي ، عن سليمان بن حرب ، عن حماد بن زيد ، به كذلك . وقال : صحيح ولم يخرجاه{[11390]} .

وقد روى هذا الحديث النسائي والحاكم ، من حديث أحمد بن عبد الله بن يونس ، عن أبي بكر ابن عياش ، عن عاصم ، عن زِرٍّ ، عن عبد الله بن مسعود . به مرفوعا{[11391]} .

وكذا رواه الحافظ أبو بكر بن مَرْدُوَيه من حديث يحيى الحماني ، عن أبي بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن زِرٍّ ، به .

فقد صححه الحاكم كما رأيت من الطريقين ، ولعل هذا الحديث عند عاصم بن أبي النجود ، عن زر ، وعن أبي وائل شقيق بن سلمة كلاهما عن ابن مسعود ، به ، والله أعلم .

قال الحاكم : وشاهد هذا الحديث حديث الشعبي عن جابر ، من وجه غير معتمد{[11392]} .

يشير إلى الحديث الذي قال الإمام أحمد ، وعبد بن حميد جميعا - واللفظ لأحمد : حدثنا عبد الله بن محمد - وهو أبو بكر بن أبي شيبة - أنبأنا أبو خالد الأحمر ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر قال : كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فخط خطًا هكذا أمامه ، فقال : " هذا سبيل الله " . وخطين عن يمينه ، وخطين عن شماله ، وقال : " هذه سبيل{[11393]} الشيطان " . ثم وضع يده في الخط الأوسط ، ثم تلا هذه الآية : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

ورواه ابن ماجه في كتاب السنة من سننه ، والبزار عن أبي سعيد بن عبد الله بن سعيد ، عن أبي خالد الأحمر ، به{[11394]} .

قلت : ورواه الحافظ ابن مَرْدُوَيه من طريقين ، عن أبي سعيد الكندي ، حدثنا أبو خالد ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر قال : خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًا ، وخط عن يمينه خطًّا ، وخط عن يساره خطا ، ووضع يده على الخط الأوسط{[11395]} وتلا هذه الآية : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ }{[11396]} .

ولكن العمدة على حديث ابن مسعود ، مع ما فيه من الاختلاف إن كان مؤثرًا ، وقد روي موقوفا عليه .

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا محمد بن ثور ، عن مَعْمَر ، عن أبَان ؛ أن رجلا قال لابن مسعود : ما الصراط المستقيم ؟ قال : تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه ، وطرفه في الجنة ، وعن يمينه جَوَادّ ، وعن يساره جَوَادّ ، وثمّ رجال يدعون من مر بهم . فمن أخذ في تلك الجوادّ انتهت به إلى النار ، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة . ثم قرأ ابن مسعود : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } الآية{[11397]} .

وقال ابن مَرْدُوَيه : حدثنا أبو عمرو ، حدثنا محمد بن عبد الوهاب ، حدثنا آدم ، حدثنا إسماعيل ابن عَيَّاش ، حدثنا أبان بن عياش ، عن مسلم بن أبي عمران ، عن عبد الله بن عمر : سأل عبد الله عن الصراط المستقيم ، فقال [ له ]{[11398]} ابن مسعود : تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه ، وطرفه في الجنة ، وذكر تمام الحديث كما تقدم ، والله أعلم .

وقد روي من حديث النوّاس بن سمْعان نحوه ، قال الإمام أحمد : حدثنا الحسن بن سَوَّار أبو العلاء ، حدثنا لَيْث - يعني ابن سعد - عن معاوية بن صالح ؛ أن عبد الرحمن بن جُبَيْر بن نفير حدثه ، عن أبيه ، عن النواس بن سمعان ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ضرب الله مثلا صِراطًا مستقيمًا ، وعن جَنْبتَي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة ، وعلى الأبواب ستور مرخاة ، وعلى باب الصراط داع يقول : أيها{[11399]} الناس ، ادخلوا الصراط المستقيم جميعا ، ولا تتفرجوا{[11400]} وداع يدعو من جوف{[11401]} الصراط ، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال : ويحك . لا تفتحه ، فإنك إن تفتحه تلجه ، فالصراط الإسلام ، والسوران حدود الله ، والأبواب المفتحة محارم الله ، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله ، والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم " .

ورواه الترمذي والنسائي ، عن{[11402]} علي بن حُجْر - زاد النسائي - وعمرو بن عثمان ، كلاهما عن بَقِيَّة بن الوليد ، عن بَحير بن سعد ، عن خالد بن مَعْدان ، عن جُبَير بن نفير ، عن النوّاس بن سمْعان ، به{[11403]} . وقال الترمذي : حسن غريب .

وقوله : { فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ [ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ] }{[11404]} إنما وحد [ سبحانه ]{[11405]} سَبيله لأن{[11406]} الحق واحد ؛ ولهذا جمع لتفرقها وتشعبها ، كما قال تعالى : { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ البقرة : 257 ] .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سِنَان الواسطي ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا سفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيكم يبايعني على هذه{[11407]} الآيات الثلاث ؟ " . ثم تلا { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } حتى فرغ من ثلاث الآيات ، ثم قال : " ومن وَفَّى بهن أجره على الله ، ومن انتقص منهن شيئا أدركه{[11408]} الله في الدنيا كانت عقوبته ، ومن أخَّرَه إلى الآخرة كان أمره إلى الله إن شاء أخذه ، وإن شاء عفا عنه " {[11409]} .


[11385]:في أ: "والتفرقة".
[11386]:في م: "لما".
[11387]:في أ: "قال".
[11388]:زيادة من م.
[11389]:المسند (1/465) والمستدرك (2/318).
[11390]:النسائي في السنن الكبرى برقم (11174) وتفسير الطبري (12/230) والمستدرك (2/318).
[11391]:النسائي في السنن الكبرى برقم (11175) والمستدرك (2/239).
[11392]:المستدرك (2/318).
[11393]:في م، أ: "سبل".
[11394]:المسند (3/397) وسنن ابن ماجة برقم (11) وقال البوصيري في الزوائد (1/45): "هذا إسناد فيه مقال من أجل مجالد بن سعيد".
[11395]:في د، م: "الأسود".
[11396]:وفي إسناده مجالد بن سعيد فيه كلام.
[11397]:تفسير الطبري (12/230).
[11398]:زيادة من م.
[11399]:في د، م: "يأيها".
[11400]:في د: "ولا تفرقوا"، وفي م، أ: "ولا تفرجوا".
[11401]:في أ: "من فوق".
[11402]:في أ: "من حديث".
[11403]:المسند (2/182) وسنن الترمذي برقم (2859) والنسائي في السنن الكبرى برقم (11233).
[11404]:زيادة من أ.
[11405]:زيادة من م.
[11406]:في أ: "لأنه".
[11407]:في م: "هؤلاء".
[11408]:في أ: "فأدركه".
[11409]:ورواه الحاكم في المستدرك (2/318) من طريق يزيد بن هارون به.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (153)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَنّ هََذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتّبِعُوهُ وَلاَ تَتّبِعُواْ السّبُلَ فَتَفَرّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وهذا الذي وصاكم به ربكم أيها الناس في هاتين الاَيتين من قوله : قُلْ تَعَالَوْا أتْلُ ما حَرّمَ رَبّكُمْ عَلَيْكُمْ وأمركم بالوفاء به ، هو صراطه ، يعني طريقه ودينه الذي ارتضاه لعباده . مُسْتَقِيما يعني : قويما لا اعوجاج به عن الحقّ . فاتّبِعُوهُ يقول : فاعملوا به ، واجعلوه لأنفسكم منهاجا تسلكونه فاتبعوه . وَلا تَتّبِعُوا السّبُلَ يقول : ولا تسلكوا طريقا سواه ، ولا تركبوا منهجا غيره ، ولا تبغوا دينا خلافه من اليهودية والنصرانية والمجوسية وعبادة الأوثان وغير ذلك من الملل ، فإنها بدع وضلالات . فَتَفَرّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ يقول : فيشتت بكم إن اتبعتم السبل المحدثة التي ليست لله بسبل ولا طلاق ولا أديان ، اتباعكم عن سبيله ، يعني : عن طريقه ودينه الذي شرعه لكم وارتضاه ، وهو الإسلام الذي وصّى به الأنبياء وأمر به الأمم قبلكم . ذَلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ يقول تعالى ذكره : هذا الذي وصاكم به ربكم من قوله لكم : إنّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيما فاتّبِعُوهُ وَلا تَتّبِعُوا السّبُلَ وصاكم به لعلكم تتقون ، يقول : لتتقوا الله في أنفسكم فلا تهلكوها ، وتحذروا ربكم فيها فلا تسخطوه عليها فيحلّ بكم نقمته وعذابه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : وَلا تَتّبِعُوا السّبُلَ فَتَفَرّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ قال : البدع والشبهات .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَلا تَتّبِعُوا السّبُلَ : البدع والشبهات .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثنا معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : فاتّبِعُوهُ وَلا تَتّبِعُوا السّبُلَ فَتَفَرّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ، وقوله : وأقِيمُوا الدّينَ وَلا تَتَفَرّقُوا فِيهِ ونحو هذا في القرآن ، قال : أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة ، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ولاَ تَتّبِعُوا السّبُلَ فَتَفَرّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ يقول : لا تتبعوا الضلالات .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا حماد ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، قال : خطّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطّا ، فقال : «هَذَا سَبِيلُ اللّهِ » ثم خطّ عن يمين ذلك الخطّ وعن شماله خطوطا ، فقال : «هَذِهِ سُبُلٌ على كُلّ سَبِيلٍ مِنْها شَيْطَانٌ يَدْعُوا إلَيْها » . ثم قرأ هذه الاَية : وأنّ هَذَا صِرَاطي مُسْتَقِيما فاتّبِعُوهُ وَلا تَتّبِعُوا السّبُلَ فَتَفَرّقَ بكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَأنّ هَذَا صِرَاطي مُسْتَقِيما فاتّبِعُوهُ وَلا تَتّبِعُوا السّبُلَ فَتَفَرّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ : الإسلام ، وصراطه : الإسلام . نهاهم أن يتبعوا السبل سواه ، فَتَفَرّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ : عن الإسلام .

حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن أبان : أن رجلاً قال لابن مسعود : ما الصراط المستقيم ؟ قال : تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه ، وطرفه في الجنة ، وعن يمينه جوادّ ، وعن يساره جوادّ ، وثمّ رجال يدعون من مرّ بهم ، فمن أخذ في تلك الجوادّ انتهت به إلى النار ، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة . ثم قرأ ابن مسعود : وَأن هَذَا صِرَاطي مُسْتَقِيما . . . الاَية .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : وَأنّ هَذَا صِرَاطي مُسْتَقِيما فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين : وأنّ بفتح الألف من «أن ، وتشديد النون ، ردّا على قوله : أنْ لا تُشْركُوا بِهِ شَيْئا بمعنى : قل تعالوا أتل ما حرّم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا ، وأن هذا صراطي مستقيما . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين : «وَإنّ » بكسر الألف من «إن » ، وتشديد النون منها على الابتداء وانقطاعها عن الأول ، إذ كان الكلام قد انتهى بالخبر عن الوصية التي أوصى الله بها عباده دونه عندهم .

والصواب من القول في ذلك عندي : أنهما قراءتان مستفيضتان في قرّاء الأمصار وعوامّ المسلمين صحيح معنياهما ، فبأيّ القراءتين قرأ القارىء فهو مصيب الحقّ في قراءته . وذلك أن الله تعالى ذكره قد أمر باتباع سبيله ، كما أمر عباده بالأشياء . وإن أدخل ذلك مدخل فيما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين : تَعالَوْا أتْلُ ما حَرّمَ رَبّكُمْ عَلَيْكُمْ وما أمركم به ، ففتح على ذلك «أن » فمصيب . وإن كسرها إذ كانت «التلاوة » قولاً وإن كان بغير لفظ القول لبعدها من قوله : «أتل » ، وهو يريد إعمال ذلك فيه فمصيب . وإن كسرها بمعنى ابتداء وانقطاع عن الأوّل «والتلاوة » ، وأن ما أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بتلاوته على من أمر بتلاوة ذلك عليهم قد انتهى دون ذلك ، فمصيب . وقد قرأ ذلك عبد الله بن أبي إسحاق البصريّ : «وأنْ » بفتح الألف من «أن » ، وتخفيف النون منها ، بمعنى : قل تعالوا أتل ما حرّم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا ، وأن هذا صراطي فخففها إذ كانت «أن » في قوله : أنْ لا تُشْركُوا بِهِ شَيْئا مخففة ، وكانت «أن » في قوله : وأنّ هَذَا صِرَاطي معطوفة عليها ، فجعلها نظيرة ما عطفت عليه . وذلك وإن كان مذهبا ، فلا أحبّ القراءة به لشذوذها عن قراءة قرّاء الأمصار وخلاف ما هم عليه في أمصارهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (153)

{ وأن هذا صراطي مستقيما } الإشارة فيه إلى ما ذكر في السورة فإنها بأسرها في إثبات التوحيد والنبوة وبيان الشريعة . وقرأ حمزة والكسائي { إن } بالكسر على الاستئناف ، وابن عامر ويعقوب بالفتح والتخفيف . وقرأ الباقون بها مشددة بتقدير اللام على أنه علة لقوله . { فاتبعوه } وقرأ ابن عامر { صراطي } بفتح الياء ، وقرئ " وهذا صراطي " " وهذا صراط ربكم " " وهذا صراط ربك " { ولا تتبعوا السبل } الأديان المختلفة أو الطرق التابعة للهوى ، فإن مقتضى الحجة واحد ومقتضى الهوى متعدد لاختلاف الطبائع والعادات . { فتفرق بكم } فتفرقكم وتزيلكم . { عن سبيله } الذي هو اتباع الوحي واقتفاء البرهان . { ذلكم } الاتباع . { وصاكم به لعلكم تتقون } الضلال والتفرق عن الحق .