255- الله هو الذي يستحق أن يُعبد دون سواه ، وهو الباقي القائم على شئون خلقه دائماً ، الذي لا يغفل أبداً ، فلا يصيبه فتور ولا نوم ولا ما يشبه ذلك لأنه لا يتصف بالنقص في شيء ، وهو المختص بملك السماوات والأرض لا يشاركه في ذلك أحد ، وبهذا لا يستطيع أي مخلوق كان أن يشفع لأحد إلا بإذن الله ، وهو - سبحانه وتعالى - محيط بكل شيء عالم بما كان وما سيكون ، ولا يستطيع أحد أن يدرك شيئاً من علم الله إلا ما أراد أن يعلم به من يرتضيه ، وسلطانه واسع يشمل السماوات والأرض ، ولا يصعب عليه تدبير ذلك لأنه المتعالي عن النقص والعجز ، العظيم بجلاله وسلطانه .
قوله تعالى : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أبو منصور محمد بن سمعان ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الزياتي ، أنا حميد بن زنجويه ، أنا ابن أبي شيبة ، أنا عبد الأعلى ، عن الجريري عن أبي السلسبيل عن عبد الله ابن رباح الأنصاري عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا المنذر أي آية من كتاب الله أعظم ؟ قلت : الله لا إله إلا هو الحي القيوم ، قال : فضرب في صدري ثم قال : ليهنك العلم يا أبا المنذر ، ثم قال : والذي نفس محمد بيده إن لهذه الآية لساناً وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش " .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل قال عثمان بن الهيثم أبو عمرو : أخبرنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إني محتاج ولي عيال ولي حاجة شديدة قال : فخليت سبيله فأصبحت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة ؟ قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله قال : أما إنه قد كذبك وسيعود ، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فرصدته ، فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : دعني فإني محتاج ولي عيال ولا أعود ، فرحمته فخليت سبيله فأصبحت فقال : لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا هريرة ما فعل أسيرك قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته وخليت سبيله قال : أما إنه كذبك وسيعود ، فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا آخر ثلاث مرات إنك تزعم لا تعود ، ثم تعود قال : دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها قلت : ما هي ؟ قال : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) حتى تختم الآية ، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فخليت سبيله ، فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما فعل أسيرك البارحة ؟ قلت يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله قال : ما هي ؟ قلت : قال لي إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) وقال : لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، وكانوا أحرص الناس على الخير ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما إنه قد صدقك وهو كذوب ، تعلم من تخاطب من ثلاث ليال يا أبا هريرة ؟ قلت : لا قال ذاك الشيطان " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور السمعاني ، أخبرنا أبو جعفر الزياتي ، أخبرنا حميد بن زنجويه ، أخبرنا يحيى ، أخبرنا أبو معاوية ، عن عبد الرحمن بن أبي بكر هو المليكي عن زرارة بن مصعب عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ حين يصبح آية الكرسي ، وآيتين من أول : حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ، حفظ في يومه ذلك حتى يمسي ، ومن قرأهما حين يمسي حفظ في ليلته تلك حتى يصبح " .
قوله عز وجل : " الله " رفع بالابتداء ، وخبره في " لا إله إلا هو الحي " الباقي الدائم على الأبد ، وهو من له الحياة ، والحياة صفة الله تعالى " القيوم " قرأ عمر وابن مسعود " القيام " وقرأ علقمة " القيم " وكلها لغات بمعنى واحد ، قال مجاهد : القيوم القائم على كل شيء ، قال الكلبي : القائم على كل نفس بما كسبت وقيل هو القائم بالأمور . وقال أبو عبيدة : الذي لا يزول .
قوله تعالى : { لا تأخذه سنة ولا نوم } . السنة : النعاس وهو النوم الخفيف ، والوسنان بين النائم واليقظان ، يقال منه وسن يسن وسناً وسنة ، والنوم : هو الثقيل المزيل للقوة والعقل ، قال المفضل الضبي : السنة في الرأس والنوم في القلب ، فالسنة أول النوم وهو النعاس ، وقيل : السنة في الرأس والنعاس في العين والنوم في القلب فهو غشية ثقيلة تقع على القلب تمنع المعرفة بالأشياء ، نفى الله تعالى عن نفسه النوم لأنه آفة وهو منزه عن الآفات ولأنه تغير ولا يجوز عليه التغير .
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أخبرنا عبد الله بن حامد ، أخبرنا محمد بن جعفر ، أخبرنا علي بن حرب ، أخبرنا أبو معاوية أخبرنا الأعمش ، عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى قال : " قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال : إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ، ولكنه يخفض القسط ، ويرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل ، حجابه النور ، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ، ورواه المسعودي عن عمرو بن مرة وقال : حجابه النار .
قوله تعالى : { له ما في السماوات وما في الأرض } . ملكاً وخلقاً .
قوله تعالى : { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } . بأمره .
قوله تعالى : { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم } . قال مجاهد وعطاء والسدي : ما بين أيديهم من أمر الدنيا ، وما خلفهم من أمر الآخرة ، وقال الكلبي : ما بين أيديهم يعني الآخرة لأنهم يقدمون عليها ، وما خلفهم من الدنيا لأنهم يخلفونها وراء ظهورهم ، وقال ابن جريج : { ما بين أيديهم } ما مضى أمامهم { وما خلفهم } ما يكون بعدهم ، وقال مقاتل : ( ما بين أيديهم ) ، ما كان قبل خلق الملائكة { وما خلفهم } أي ما كان بعد خلقهم ، وقيل : { ما بين أيديهم } أي ما قدموه من خير أو وشر وما خلفهم ما هم فاعلوه .
قوله تعالى : { ولا يحيطون بشيء من علمه } . أي من علم الله .
قوله تعالى : { إلا بما شاء } . أي يطلعهم عليه ، يعني لا يحيطون بشيء من علم الغيب إلا بما شاء مما أخبر به الرسل كما قال الله تعالى : ( فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ) .
قوله تعالى : { وسع كرسيه السماوات والأرض } . أي ملأ وأحاط بهما ، واختلفوا في الكرسي فقال الحسن : هو العرش نفسه ، وقال أبو هريرة رضي الله عنه : الكرسي موضوع أمام العرش ومعنى قوله : { وسع كرسيه السماوات والأرض } أي سعته مثل سعة السماوات والأرض ، وفي الأخبار أن السماوات والأرض في جنب الكرسي كحلقة في فلاة ، والكرسي في جنب العرش كحلقة في فلاة .
ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن السماوات السبع ، والأرضين السبع في الكرسي كدراهم سبعة ألقيت في ترس ، وقال علي ومقاتل : كل قائمة من الكرسي طولها مثل السماوات السبع والأرضين السبع ، وهو بين يدي العرش ، ويحمل الكرسي أربعة أملاك ، لكل ملك أربعة وجوه ، وأقدامهم في الصخرة التي تحت الأرض السابعة السفلى مسيرة خمسمائة عام ، ملك على صورة سيد البشر آدم عليه السلام ، وهو يسأل للآدميين الرزق والمطر من السنة إلى السنة ، وملك على صورة سيد الأنعام ، وهو الثور ، وهو يسأل للإنعام الرزق من السنة إلى السنة وعلى وجهه غضاضة منذ عبد العجل ، وملك على صورة سيد السباع وهو الأسد يسأل للسباع الرزق من السنة إلى السنة ، وملك على صورة سيد الطير ، وهو النسر يسأل الرزق للطير من السنة إلى السنة " .
وفي بعض الأخبار : أن ما بين حملة العرش وحملة الكرسي سبعين حجاباً من ظلمة ، وسبعين حجاباً من نور غلظ كل حجاب مسيرة خمسمائة عام ، لولا ذلك لاحترق حملة الكرسي من نور حملة العرش . ذ
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أراد بالكرسي علمه ، وهو قول مجاهد ، ومنه قيل لصحيفة العلم كراسة ، وقيل : كرسيه ملكه وسلطانه ، والعرب تسمى الملك القديم كرسياً .
قوله تعالى : { ولا يؤوده } . أي لا يثقله ولا يشق عليه يقال : آدني الشي أي أثقلني .
قوله تعالى : { حفظهما } . أي حفظ السماوات والأرض .
قوله تعالى : { وهو العلي } . الرفيع فوق خلقه والمتعالي عن الأشباه والأنداد ، وقيل العلي بالملك والسلطنة .