قوله : ( اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ ) الآية [ 253 ] .
أجاز النحاس : لا إله إلا إياه على الاستثناء( {[8265]} ) .
وروي عن أبي ذر أنه سأل النبي [ عليه السلام ]( {[8266]} ) فقال له : أي ما أنزل عليك من القرآن أعظم " . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ )( {[8267]} ) .
وقال ابن عباس : " أشرف آية في القرآن آية الكرسي " . نبه الله تعالى ذكره عباده بهذه الآية ألا يعبد( {[8268]} ) غيره ، وأن يحذر( {[8269]} ) مما وقع فيه من تقدم ذكره ، في قوله : ( فَمِنْهُم مَّنَ ءَامَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ ) واختلفوا فاقتتلوا( {[8270]} ) وشبهه .
وروى مالك عن يحيى بن سعيد( {[8271]} ) عن ابن المسيب أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأَ آيَةَ الكُرْسِيِّ إِذَا نَامَ ، لَمْ يَزَلْ فِي أَمَانِ اللَّهِ حَتَّى يَنْتَبِهَ( {[8272]} ) . وَمَنْ قَرَأَهَا إِذَا انْتَبَهَ ، لَمْ يَزَلْ فِي أَمَانِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ ، وَمَنْ قَرَأَهَا إِذَا خَرَجَ( {[8273]} ) مِنْ مَنْزِلِهِ لَمْ يَزَلْ فِي أَمَانِ( {[8274]} ) اللَّهِ عز وجل( {[8275]} ) حَتَّى( {[8276]} ) يَعُودَ . وَمَنْ قَرَأَهَا عِنْدَ حِجَامَةٍ كَانَتْ لَهُ مَنْفَعَتَانِ : مَنْفَعَةٌ لِلْحِجَامَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا ، وَمَنْفَعَةٌ لِلْحِجَامَةِ الَّتِي تَكُونُ( {[8277]} ) بَعْدَهَا . وَمَنْ قَرَأَهَا دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ( {[8278]} ) الجَنَّةَ( {[8279]} ) " .
وروى أبو هريرة أن النبي [ عليه السلام ]( {[8280]} ) قال : " لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامٌ ، وَسَنَامُ القُرْآنِ سُورَةُ البَقَرَةِ ، مِنْهَا آيَةٌ لاَ تُقْرَأُ فِي بَيْتٍ فِيهِ شَيْطَانٌ إِلاَّ خَرَجَ مِنْهُ ، وَهِيَ آيَةُ الكُرْسِيِّ " ( {[8281]} ) .
وقوله : ( الْحَيُّ القَيُّومُ ) [ 253 ] . الحي الذي لا يموت ، والقيوم الذي لا يزول( {[8282]} ) .
و( {[8283]} )قيل : معناه : أنه حي بحياة هي له صفة( {[8284]} ) .
و( {[8285]} )قيل : بل هو اسم من أسمائه تسمى به ، فقلناه تسليماً لأمره( {[8286]} ) .
وقوله : ( القَيُّومُ ) [ 253 ] .
قال ابن عباس : " معناه : الذي لا يزول " ( {[8287]} ) .
وقال مجاهد : " معناه القائم على كل شيء( {[8288]} ) " .
وهو " فَيْعُولٌ " من " قَامَ " ، ولا يحسن أن يكون " فَعُولاً " لأنه يلزم منه أن يقال : " قَوُوُمٌ " ( {[8289]} ) .
وقد قال ابن كيسان : " ليس في كلام العرب ، فعول من الواو " .
وروي عن عمر أنه/قرأ " الْقَيَّامُ " ووزنه " فَيْعَالٌ " من " قَامَ " ( {[8290]} ) .
وقرأ علقمة " الْقَيِّمُ( {[8291]} ) " ( {[8292]} ) ، ووزنه عند البصريين " فعيل " ، ثم أدغم فكان أصله قيوماً ، وأصله عند الكوفيين " قويم " مثل فعيل ، ويلزمهم ألا يعل كما لم( {[8293]} ) يعل " طويل " وشبهه .
وصفات/الله مطلقة في غاية الكمال والتمام ، لا يجوز عليها حوالة ولا تغيير( {[8294]} ) ، بخلاف صفات المخلوقين .
قوله : ( لاَ تَاخُذُهُ سِنَةٌ ) [ 254 ] .
أي نعاس . قاله ابن عباس وقتادة والضحاك وغيرهم( {[8295]} ) . ولا نوم فيستثقل .
وأصل " سنة " وسنة ، كزنة وعدة( {[8296]} ) .
قال( {[8297]} ) السدي : " السنة ريح النوم الذي يأخذ( {[8298]} ) في الوجه فينعس الإنسان( {[8299]} ) " .
وقال( {[8300]} ) الربيع : " السنة هو الذي يكون به الإنسان بين النائم واليقظان ، وهو الوسنان ، والنوم الاستثقال( {[8301]} ) " .
نفى الله تعالى عن نفسه الآفات التي تدخل على المخلوقين ، فتذهب حسهم تعالى عن ذلك .
وقد روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم( {[8302]} ) قال : " وَقَعَ فِي نَفْسِ مُوسَى صلى الله عليه وسلم( {[8303]} ) : هَلْ يَنَامُ اللهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ؟ فَأَرْسَلَ اللَّهُ( {[8304]} ) إِلَيْهِ مَلَكاً فَأَرَّقَهُ ثَلاَثاً ثُمَّ أَعْطَاهُ قَارُورَتَيْنِ ، فِي كُلِّ يَدٍ قَارُورَةٌ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَحَفَّظَ بِهِمَا . فَجَعَلَ يَنَامُ وَتَكَادُ يَدَاهُ/تَلْتَقِيَانِ( {[8305]} ) ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ فَيَحْبِسُ إِحْدَاهُمَا عَنْ الأُخْرَى ، حَتَّى نَامَ نَوْمَهُ فَاصْطَفَقَتْ يَدَاهُ فَانْكَسَرَتْ القَارُورَتَانِ ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ( {[8306]} ) ذَلِكَ مَثَلاً( {[8307]} ) " ، أي أن الله لو كان ينام( {[8308]} ) لم تمتسك( {[8309]} ) السموات والأرضون كما لم تمتسك( {[8310]} ) القارورتان في يدي موسى عليه السلام .
قوله : ( مَن ذَا الذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) [ 254 ] .
أي من يشفع لمن أراد الله عقوبته إلا بأمره لهم بالشفاعة . وهذا يدل على جواز الشفاعة بإذنه لمن شاء من رسله وأوليائه . وقيل : معناه( {[8311]} ) : من ذا الذي يذكر الله بقلبه حتى يأذن له ، لا إله إلا هو .
قوله : ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ( {[8312]} ) ) [ 254 ] .
قال ابن جريج : " يعلم ما مضى أمامهم من الدنيا ( وَمَا خَلْفَهُمْ ) ما يكون بعدهم من أمر الدنيا والآخرة " ( {[8313]} ) .
وهذا يدل على/قدم علم الله تعالى ، وأنه لم يزل/عالماً ولا يزال .
( إِلاَّ بِمَا شَاءَ ) [ 254 ] . أي ما شاء هو أن يعلمه .
قوله : ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضَ ) [ 254 ] .
قال ابن جبير عن ابن عباس : " كرسيه : علمه " ، ودل على ذلك قوله : ( وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا )( {[8314]} ) .
قال أبو هريرة : " الكرسي بين يدي العرش " ( {[8315]} ) .
قال مجاهد : " ما السموات والأرض في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة " ( {[8316]} ) .
قال السدي : السموات والأرض في جوف الكرسي بين يدي العرش وهو موضع قدميه( {[8317]} ) " .
قال ابن زيد : " حدثني أبي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم/ : " مَا السَّمَوَات السَّبْع فِي الكُرْسِيِّ إِلاَّ كدراهِمَ سَبْعَةٍ أُلْقِيَتْ فِي تُرْسٍ " ( {[8318]} ) .
وقال أبو ذر : سمعت النبي [ عليه السلام ]( {[8319]} ) يقول : " مَا الكُرْسِيُّ فِي العَرْشِ إِلاَّ كَحَلَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ أُلْقِيَتْ بَيْنَ ظَهْرَيْ فَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ( {[8320]} ) " .
وروى ليث عن مجاهد أنه قال : " ما السموات والأرض في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة " .
وروى الأعمش عن مجاهد أنه قال : " مثل السموات تحت الكرسي كحلقة ملقاة في الفلاة " .
وروى ابن جبير عن ابن عباس أنه قال : " الكرسي الذي وسع السموات والأرض( {[8321]} ) موضعه من العرش موضعه من السرير( {[8322]} ) ، ولا يقدر قدر العرش إلا الذي خلقه " ( {[8323]} ) .
وقال الحسن : " الكرسي هو العرش نفسه " ( {[8324]} ) .
وقال الضحاك : " كرسيه الذي يوضع تحت العرش " ( {[8325]} ) .
وقيل : " كرسيه : قدرته " ( {[8326]} ) .
اختار الطبري أن يكون علمه لقوله : ( وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ) ، ولقوله : ( وَسِعْتَ( {[8327]} ) كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً( {[8328]} ) )( {[8329]} ) .
وفيه لغتان : ضم الكاف وكسرها .
قوله : ( وَلاَ يَئُودُهُ ) [ 254 ] .
أي لا( {[8330]} ) يثقله ولا يشق عليه . يقال : ما آدَكَ هو لي آئِدٌ " ( {[8331]} ) .
وقال القتبي( {[8332]} ) : يقال : آدَاهُ يَؤُودُهُ ، [ وَأَدَهُ ]( {[8333]} ) يئده ، والوأد الثقل( {[8334]} ) " . والهاء في ( يَئُودُهُ ) لله جل ذكره( {[8335]} ) .
وقال أبو إسحاق : " يجوز أن تكون للكرسي " ( {[8336]} ) .
وقوله : ( حِفْظُهُمَا ) [ 254 ] . أي حفظ السموات والأرض .
( وَهُوَ العَلِيُّ )( {[8337]} ) [ 254 ] . أي ذو الارتفاع عن شبه( {[8338]} ) خلقه بقدرته( {[8339]} ) .
أي لا شيء أعظم منه جلالة وهيبة وسلطانا( {[8340]} ) . ولا يحسن أن يكون بمعنى العلو في المسافة والارتفاع من مكان إلى مكان تعالى الله عن ذلك- إنما هو علو قدرة وجلالة وهيبة وسلطان ، لا علو ارتفاع من مكان إلى مكان ، ليس كمثله شيء . لا يجوز عليه الحركة ولا الانتقال ولا التغير من حال إلى حال ، فافهمه( {[8341]} ) .
وقيل : معنى ( العَلِيُّ ) : العلي عن النظراء والأشباه ، لا علو مكان( {[8342]} ) .
وقيل : إن ( العَظِيمُ ) هنا( {[8343]} ) بمعنى المعظم ، بمعنى الذي يعظمه خلقه لم يزل على ذلك( {[8344]} ) . ولا يحسن أن يتأول أن تعظيمه محدث . /بل لم يزل معظماً قبل كون الخلق كما لم يزل قادراً وعالماً قبل كون( {[8345]} ) المعلوم والمقدور ، ولا يزال معظماً بعد فناء الخلق( {[8346]} ) .
وقد طعن/في هذا القول( {[8347]} ) .
وقيل : يلزم ألا يكون معظماً قبل الخلق ولا بعدهم ، إذ لا معظم له( {[8348]} ) . فالجواب عن ذلك ما ذكرنا أنه لم يزل ولا يزال كذلك كالعلم والقدرة وشبههما . تقول العرب : " هذه خمر عتيقة( {[8349]} ) " ، بمعنى معتقة( {[8350]} ) . وقيل : معنى " العظيم " : أن له عظمة هي صفة له/لا تكيف( {[8351]} ) .