{ اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [ 1 ] لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ [ 2 ] وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ [ 3 ] حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ { 255 } } .
[ 1 ] القيوم : القائم الدائم بالأمر والمراقبة .
[ 2 ] سنة : الحالة بين اليقظة والنوم ، وهي أول النوم .
[ 3 ] يؤوده : يعجزه أو يشق عليه أو يثقل عليه .
الآية من جوامع الآيات القرآنية وروائعها في صدد تقرير وحدة الله وكمال صفاته وإحاطته وقدرته . فهو الإله الذي لا إله غيره . الحي الدائم الحياة ، والقيم الدائم القيام بأمر خلقه ، الذي تنزه عن أي نوع من أنواع الغفلة عن ذلك بما يحدثه النوم أو النعاس ، الذي له ما في السموات والأرض ، والذي لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه ورضائه ، والذي يعلم ما بين أيدي كل خلقه وما خلفهم دون أن يكون لأحد إحاطة ما بشيء من علم إلا ما شاء هو ، والذي وسع كرسيه السموات والأرض ولا يشق عليه حفظهما ، والعلي العظيم الذي لا يداني علوّه وعظمته شيء .
ولم نطلع على رواية خاصة في نزول الآية ، ويحتمل أن تكون متصلة بما سبقها . فالله الذي يفعل ما يريد وهو ما قررته الآية السابقة لها هو المنفرد في الألوهية المتصف بجميع صفات الكمال ، ويحتمل أن تكون متصلة بما بعدها فالله الذي يجب الإيمان به والكفر بسواه وهذا ما جاء في الآيات التي بعدها هو ذلك المتصف بهذه الصفات وليس ما يمنع أن تكون متصلة بما قبلها وبما بعدها معاً . فالسياق متصل ببعض سواء أكانت الآيات نزلت دفعة واحدة أم متتابعة . أم كان ترتيبها ترتيبا موضوعيا ، وهذه الاحتمالات مما تلهم صيغة الآية وموضوعها والآيات السابقة واللاحقة معاً . ولقد عرفت هذه الآية بآية الكرسي ، وأثرت أحاديث عديدة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها ، منها حديث رواه الترمذي عن أبي هريرة جاء فيه : «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لكلّ شيء سنامٌ ، وإن سنام القرآن سورة البقرة وفيها آية هي سيّدة آي القرآن هي آية الكرسي » {[376]} . وحديث رواه مسلم وأبو داود عن أبي بن كعب قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا المنذر أيّ آية معك من كتاب الله أعظم ؟ قلت : الله لا إله إلا هو الحي القيوم ، فضرب على صدري وقال : ليهنك العلم يا أبا المنذر » {[377]} . وحديث رواه الإمام أحمد عن أبي ذرّ جاء فيه : «قلتُ : يا رسول الله أيّ ما أنزل عليك أعظم ؟ قال : آية الكرسي الله لا إله إلا هو الحي القيوم » {[378]} .
وهذه هي المرة الأولى والوحيدة التي وردت فيها كلمة ( الكرسي ) منسوبة إلى الله تعالى . وقد وردت في سورة ( ص ) منسوبة إلى سليمان عليه السلام ، وأصل الكلمة المقعد أو السرير الذي يجلس عليه المرء .
ولقد تعددت الأحاديث والأقوال التي يرويها المفسرون في صفة كرسي الله عز وجل هو كما هو شأنه في صدد العرش والقلم واللوح على ما شرحناه في تفسير سورة القلم والتكوير والبروج . وليس فيما يوردونه عن كرسي الله حديث صحيح ، وفيما يوردونه ما لا يخلو من غرابة ولا ينسجم مع صفات الله وتنزهه . فمن ذلك مثلا ما يرويه الطبري عن السدي قال : «السموات والأرض في جوف الكرسي والكرسي بين يدي العرش ، ويجلس الله على العرش والكرسي موضع قدميه » . وحديث يروى عن ابن زيد لم يرد في كتب الصحاح عن النبي قال : «والذي نفسي بيده ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا حلقة ملقاة بأرض فلاة » . وحديث يرويه الطبري عن عبد الله بن خليفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إن كرسيّه وسع السموات والأرض وإنه ليقعد عليه فما يفضل منه مقدار أربع أصابع ، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الحديد إذا ركب » .
وإلى جانب هذه الأحاديث وأمثالها يورد المفسرون عن أهل التأويل ما يفيد أن الكلمة مستعملة على سبيل المجاز ، وأن المقصود منها بيان عظمة ملك الله وسلطانه . وهذا هو الأظهر المنسجم مع صفات الله وتنزهه كما هو المتبادر . وفي اللغة ( كرس الرجل ) بمعنى كثر علمه . وقد رأى بعضهم بين هذا وبين مقام حكمة كرسيه صلة ما فقال : إن الجملة قد تعني إحاطة علم الله بما في السموات وما في الأرض . ومهما بدا في هذا من تكلف فإنه لا يخلو من وجاهة والله تعالى أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.