{ ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم } يعني أهل الكتاب قالوا { نحن أبناء الله وأحباؤه } وقيل : ناس من اليهود جاؤوا بأطفالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : هل على هؤلاء ذنب قال لا قالوا : والله ما نحن إلا كهيئتهم ما عملنا بالنهار كفر عنا بالليل ، وما عملنا بالليل كفر عنا بالنهار . وفي معناهم من زكى نفسه وأثنى عليها . { بل الله يزكي من يشاء } تنبيه على أن تزكيته تعالى هي المعتد بها دون تزكية غيره ، فإنه العالم بما ينطوي عليه الإنسان من حسن وقبيح ، وقد ذمهم وزكى المرتضين من عباده المؤمنين . وأصل التزكية نفي ما يستقبح فعلا أو قولا . { ولا يظلمون } بالذم أو العقاب على تزكيتهم أنفسهم بغير حق . { فتيلا } أدنى ظلم وأصغره ، وهو الخيط الذي في شق النواة يضرب به المثل في الحقارة .
هذا لفظ عام في ظاهره ، ولم يختلف أحد من المتأولين في أن المراد اليهود ، واختلف في المعنى الذي به «زكوا أنفسهم » ، فقال قتادة والحسن : ذلك قولهم { نحن أبناء الله وأحباؤه }{[4099]} وقولهم : { لا يدخل الجنة إلا من كان هوداً }{[4100]} وقال الضحاك والسدي : ذلك قولهم : لا ذنوب لنا وما فعلناه نهاراً غفر ليلاً ، وما فعلناه ليلاً غفر نهاراً ، ونحن كالأطفال في عدم الذنوب ، وقال مجاهد وأبو مالك وعكرمة : تقديمهم أولادهم الصغار للصلاة لأنهم لا ذنوب لهم .
قال المؤلف : وهذا يبعد من مقصد الآية وقال ابن عباس : ذلك قولهم أبناؤنا الذين ماتوا يشفعون لنا ويزكوننا ، وقال عبد الله بن مسعود : ذلك ثناء بعضهم على بعض ، ومدحهم لهم وتزكيتهم لهم .
قال القاضي أبو محمد : فتقتضي هذه الآية الغض من المزكي لنفسه بلسانه ، والإعلام بأن الزاكي المزكى من حسنت أفعاله وزكاه الله عز وجل{[4101]} ، والضمير في { يزكون } عائد على المذكورين ممن زكى نفسه أو ممن يزكيه الله تعالى ، وغير هذين الصنفين علم أن الله تعالى لا يظلمهم من غير هذه الآية ، وقرأت طائفة «ولا تظلمون » بالتاء على الخطاب ، «والفتيل » : هو ما فتل ، فهو فعيل بمعنى مفعول ، وقال ابن عباس وعطاء ومجاهد وغيرهم : «الفتيل » : الخيط الذي في شق نواة التمرة ، وقال ابن عباس وأبو مالك والسدي : هو ما خرج من بين إصبعيك أو كفيك إذا فتلتهما ، وهذا كله يرجع إلى الكناية عن تحقير الشيء وتصغيره ، وأن الله لا يظلمه ، ولا شيء دونه في الصغر ، فكيف بما فوقه ، ونصبه على مفعول ثان ب { يظلمون }{[4102]} .
تَعْجِيب من حال اليهود إذ يقولون { نحن أبناء الله وأحبّاؤه } [ المائدة : 18 ] وقالوا : { لن يدخل الجنّة إلاّ من كان هوداً } [ البقرة : 111 ] ونحو ذلك من إدلالهم الكاذب .
وقوله : { بل الله يزكي من يشاء } إبطال لمعتقَدهم بإثبات ضدّه ، وهو أنّ التزكية شهادة من الله ، ولا ينفع أحداً أن يزكّي نفسه . وفي تصدير الجملة ب ( بل ) تصريح بإبطال تزكيتهم . وأنّ الذين زكَّوا أنفسهم لاحظّ لهم في تزكية الله ، وأنّهم ليسوا ممّن يشاء الله تزكيته ، ولو لم يذكر ( بل ) فقيل و { الله يزكّي من يشاء } لكان لهم مطمع أن يكونوا ممّن زكّاه الله تعالى .
ومعنى { ولا يظلمون فتيلاً } أي أنّ الله لم يحرمهم ما هم به أحرياء ، وأنّ تزكية الله غيرهم لا تعدّ ظلماً لهم لأنّ الله يقول الحقّ وهو يهدي السبيل ولا يظلِم أحداً .
والفتيل : شبه خَيْط في شَقّ نواة التمرة . وقد شاع استعارته للقِلّة إذ هو لا ينتفع به ولا له مرأى واضح .
وانتصب { فتيلا } على النيابة عن المفعول المطلق ، لأنّه على معنى التشبيه ، إذ التقدير : ظلماً كالفتيل ، أي بقَدْره ، فحذفت أداة التشبيه ، وهو كقوله : { إنّ الله لا يظلم مِثقَالَ ذَرَّة } [ النساء : 40 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.