الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمۚ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَلَا يُظۡلَمُونَ فَتِيلًا} (49)

{ الذين يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ } اليهود والنصارى ، قالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه ، وقالوا : لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى . وقيل : جاء رجال من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأطفالهم فقالوا : هل على هؤلاء ذنب ؟ قال : ( لا ) . قالوا : والله ما نحن إلا كهيئتهم ، ما عملناه بالنهار كفر عنا بالليل ، وما عملناه بالليل كفر عنا بالنهار . فنزلت . ويدخل فيها كل من زكى نفسه ووصفها بزكاء العمل وزيادة الطاعة والتقوى والزلفى عند الله .

فإن قلت : أما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض » ؟ قلت : إنما قال ذلك : حين قال له المنافقون : اعدل في القسمة ، إكذاباً لهم إذ وصفوه بخلاف ما وصفه به ربه ، وشتان من شهد الله له بالتزكية ، ومن شهد لنفسه أو شهد له من لا يعلم { بَلِ الله يُزَكّى مَن يَشَاءُ } إعلام بأن تزكية الله هي التي يعتدّ بها . لا تزكية غيره لأنه هو العالم بمن هو أهل للتزكية . ومعنى يزكي من يشاء : يزكي المرتضين من عباده الذين عرف منهم الزكاء فوصفهم به { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } أي الذين يزكون أنفسهم يعاقبون على تزكيتهم أنفسهم حق جزائهم . أو من يشاء يثابون على زكائهم ولا ينقص من ثوابهم . ونحوه { فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتقى } [ النجم : 32 ] .