تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمۚ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَلَا يُظۡلَمُونَ فَتِيلًا} (49)

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا * انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا }

هذا تعجيب من الله لعباده ، وتوبيخ للذين يزكون أنفسهم من اليهود والنصارى ، ومن نحا نحوهم من كل من زكى نفسه بأمر ليس فيه . وذلك أن اليهود والنصارى يقولون : { نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } ويقولون : { لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى } وهذا مجرد دعوى لا برهان عليها ، وإنما البرهان ما أخبر به في القرآن في قوله : { بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } فهؤلاء هم الذين زكاهم الله ولهذا قال هنا : { بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ } أي : بالإيمان والعمل الصالح بالتخلي عن الأخلاق الرذيلة ، والتحلي بالصفات الجميلة .

وأما هؤلاء فهم -وإن زكوا أنفسهم بزعمهم أنهم على شيء ، وأن الثواب لهم وحدهم- فإنهم كذبة في ذلك ، ليس لهم من خصال الزاكين نصيب ، بسبب ظلمهم وكفرهم لا بظلم من الله لهم ، ولهذا قال : { وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا } وهذا لتحقيق العموم أي : لا يظلمون شيئا ولا مقدار الفتيل الذي في شق النواة أو الذي يفتل من وسخ اليد وغيرها .