المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ عُزَيۡرٌ ٱبۡنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَى ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ ٱللَّهِۖ ذَٰلِكَ قَوۡلُهُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡۖ يُضَٰهِـُٔونَ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبۡلُۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} (30)

30- ترك اليهود الوحدانية في عقيدتهم ، وقالوا : عزيز{[81]} ابن الله ، وترك النصارى الوحدانية كذلك ، فقالوا : المسيح ابن الله . وقولهم هذا مبتدع من عندهم ، يرددونه بأفواههم ولم يأتهم به كتاب ولا رسول ، وليس عليهم حُجة ولا برهان ، وهم في هذا القول يشابهون قول المشركين قبلهم ، لعن الله هؤلاء الكفار وأهلكهم . عجباً لهم كيف يضلون عن الحق وهو ظاهر ، ويعدلون إلى الباطل .


[81]:عزيز هو عزرا الكاهن من نسل هارون خرج من بابل مع رجوع اليهود الثاني بعد وفاة رسول الله موسى بنحو ألف عام، وكان عزرا يلقب بالكاتب لأنه كان يكتب في شريعة موسى. ملحوظة: خرج عزرا ومن معه من اليهود إلى أورشليم سنة 456 ق. م السنة السابقة من حكم أريخشسنا ملك فارس بعد خراب أورشليم وحرق بيت القدس ونهبه بزمن طويل.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ عُزَيۡرٌ ٱبۡنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَى ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ ٱللَّهِۖ ذَٰلِكَ قَوۡلُهُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡۖ يُضَٰهِـُٔونَ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبۡلُۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} (30)

وهذا إغراء من الله تعالى للمؤمنين على قتال المشركين الكفار من اليهود والنصارى ، لمقالتهم هذه المقالة الشنيعة ، والفِرْية على الله تعالى ، فأما اليهود فقالوا في العُزَير : " إنه ابن الله " ، تعالى [ الله ]{[13383]} عن ذلك علوا كبيرا . وذكر السدي وغيره أن الشبهة التي حصلت لهم في ذلك ، أن العمالقة لما غلبت على بني إسرائيل ، فقتلوا علماءهم وسَبَوا كبارهم ، بقي العزير يبكي على بني إسرائيل وذهاب العلم منهم ، حتى سقطت جفون عينيه ، فبينا هو ذات يوم إذ مَرّ على جبانة ، وإذ{[13384]} امرأة تبكي عند قبر وهي تقول : وامطعماه ! واكاسياه ! [ فقال لها ويحك ]{[13385]} من كان يطعمك قبل هذا ؟ قالت : الله . قال : فإن الله حي لا يموت ! قالت : يا عزير فمن كان يُعلم العلماء قبل بني إسرائيل ؟ قال : الله . قالت : فلم تبكي عليهم ؟ فعرف أنه شيء قد وُعظ به . ثم قيل له : اذهب إلى نهر كذا فاغتسل منه ، وصَلِّ هناك ركعتين ، فإنك ستلقى هناك شيخا ، فما أطعمك فكله . فذهب ففعل ما أمر به ، فإذا شيخ فقال له : افتح فمك . ففتح فمه . فألقى فيه شيئًا كهيئة الجمرة العظيمة ، ثلاث مرات ، فرجع عُزَير وهو من أعلم الناس بالتوراة ، فقال : يا بني إسرائيل ، قد جئتكم بالتوراة . فقالوا : يا عُزَير ، ما كنت كَذَّابا . فعمد فربط على إصبع من أصابعه قلما ، وكتب التوراة بإصبعه كلها ، فلما تراجع الناس من عَدُوّهم ورجع العلماء ، وأخبروا بشأن عزير ، فاستخرجوا النسخ التي كانوا أودعوها في الجبال ، وقابلوها{[13386]} بها ، فوجدوا ما جاء به صحيحا ، فقال بعض جهلتهم : إنما صنع هذا لأنه ابن الله .

وأما ضَلال النصارى في المسيح فظاهر ؛ ولهذا كَذَّب الله سبحانه الطائفتين فقال : { ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ } أي : لا مستند لهم فيما ادعوه سوى افترائهم واختلاقهم ، { يضاهئون } أي : يشابهون { قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ } أي : من قبلهم من الأمم ، ضلوا كما ضل هؤلاء ، { قَاتَلَهُمُ اللَّهُ } وقال ابن عباس : لعنهم الله ، { أَنَّى يُؤْفَكُونَ } ؟ أي : كيف يضلون عن الحق ، وهو ظاهر ، ويعدلون إلى الباطل ؟


[13383]:- زيادة من ت ، ك.
[13384]:- في ت ، د : "وإذا".
[13385]:- زيادة من ت ، د ، أ.
[13386]:- في ت ، د ، ك : "وقابلوه".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ عُزَيۡرٌ ٱبۡنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَى ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ ٱللَّهِۖ ذَٰلِكَ قَوۡلُهُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡۖ يُضَٰهِـُٔونَ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبۡلُۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} (30)

عطف على جملة { ولا يدينون دين الحق } [ التوبة : 29 ] والتقدير : ويقول اليهود منهم عزيز ابن الله ، ويقول النصارى منهم : المسيح ابن الله ، تشنيعاً على قائِليهما من أهل الكتاب بأنّهم بلغوا في الكفر غايته حتّى ساووا المشركين .

وعزيز : اسم حَبر كبير من أحبار اليهود الذين كانوا في الأسر البابلي ، واسمه في العبرانية ( عِزْرا ) بكسر العين المهملة بن ( سرايا ) من سبط اللاويين ، كان حافظاً للتوراة . وقد تفضّل عليه ( كورش ) ملك فارس فأطلقه من الأسر ، وأطلق معه بني إسرائيل من الأسر الذي كان عليهم في بابل ، وأذنهم بالرجوع إلى أورشليم وبناء هيكلهم فيه ، وذلك في سنة 451 قبل المسيح ، فكان عزرا زعيم أحبار اليهود الذين رجعوا بقومهم إلى أورشليم وجدّدوا الهيكل وأعاد شريعة التوراة من حِفْظه ، فكان اليهود يعظّمون عِزرا إلى حدّ أن ادّعى عامّتهم أنّ عزرا ابن الله ، غُلوا منهم في تقديسه ، والذين وصفوه بذلك جماعة من أحبار اليهود في المدينة ، وتبعهم كثير من عامّتهم . l وأحسب أنّ الداعي لهم إلى هذا القول أن لا يكونوا أخلياء من نسبة أحد عظمائهم إلى بنوة الله تعالى مثل قول النصارى في المسيح كما قال متقدموهم { اجعل لنا إلها كما لهم آلهة } [ الأعراف : 138 ] .

قال بهذا القول فرقة من اليهود فألصق القول بهم جميعاً لأنّ سكوت الباقين عليه وعدم تغييره يلزمهم الموافقة عليه والرضا به ، وقد ذكر اسم عِزرا في الآية بصيغة التصغير ، فيحتمل أنّه لمّا عرّب عُرب بصيغة تشبه صيغة التصغير ، فيكون كذلك اسمه عند يهود المدينة ويحتمل أنّ تصغيره جرى على لسان يهود المدينة تحبيباً فيه .

قرأ الجمهور { عزيرُ } ممنوعاً من التنوين للعجمة وهو ما جزم به الزمخشري وقرأه عاصم والكسائي ويعقوب : بالتنوين على اعتباره عربياً بسبب التصغير الذي أدخل عليه لأنّ التصغير لا يدخل في الأعلام العجمية ، وهو ما جزم به عبد القاهر في فصل النظم من « دلائل الإعجاز » ، وتأوّل قراءة ترك التنوين بوجهين لم يرتضهما الزمخشري .

وأمّا قول النصارى ببنوة المسيح فهو معلوم مشهور . وقد مضى الكلام على المسيح عند قوله تعالى : { وآتينا عيسى ابن مريم البينات } في سورة البقرة ( 87 ) . وعند قوله تعالى : { اسمه المسيح عيسى ابن مريم } في سورة آل عمران ( 45 ) .

والإشارة { بذلك } إلى القول المستفاد من { قالت اليهود وقالت النصارى } . والمقصود من الإشارة تشهير القول وتمييزه ، زيادة في تشنيعه عند المسلمين .

و { بأفواههم } حال من القول ، والمراد أنّه قول لا يعدو الوجودَ في اللسان وليس له ما يحقّقه في الواقع ، وهذا كناية عن كونه كاذباً كقوله تعالى : { كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً } [ الكهف : 5 ] . وفي هذا أيضاً إلزام لهم بهذا القول ، وسدّ باب تنصّلهم منه إذ هو إقرارهم بأفواههم وصريح كلامهم .

والمضاهاة : المشابهة ، وإسنادها إلى القائلين : على تقدير مضاف ظاهرٍ من الكلام ، أي يضاهي قولُهم .

و { الذين كفروا من قبل } هم المشركون : من العرب ، ومن اليونان ، وغيرهم ، وكونُهم من قَبل النصارى ظاهر ، وأمّا كونهم من قبلِ اليهود : فلأنّ اعتقاد بنوة عُزير طارىء في اليهود وليس من عقيدة قُدمائهم .

وجملة { قاتلهم الله } دعاء مستعمل في التعجيب ، وهو مركّب يستعمل في التعجّب من عمل شنيع ، والمفاعلة فيه للمبالغة في الدعاء : أي قتلهم الله قتلاً شديداً . وجملة التعجيب مستأنفة كشأن التعجب .

وجملة { أنى يؤفكون } مستأنفة . والاستفهام فيها مستعمل في التعجيب من حالهم في الاتّباع الباطل ، حتّى شبه المكان الذي يُصرفون إليه باعتقادهم بمكان مجهول من شأنه أن يُسأل عنه باسم الاستفهام عن المكان ، ومعنى { يؤفكون } يُصرفون . يقال : أفَكَه يأفِكه إذا صرفه ، قال تعالى : { يؤفك عنه من أفك } [ الذاريات : 9 ] والإفك بمعنى الكذب قد جاء من هذه المادّة لأنّ الكاذب يصرف السامع عن الصدق ، وقد تقدّم ذلك غير مرة .