الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ عُزَيۡرٌ ٱبۡنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَى ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ ٱللَّهِۖ ذَٰلِكَ قَوۡلُهُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡۖ يُضَٰهِـُٔونَ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبۡلُۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} (30)

أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال « أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام بن مشكم ، ونعمان بن أوفى ، وأبو أنس ، وشاس بن قيس ، ومالك بن الصيف ، فقالوا : كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا وأنت لا تزعم أن عزيراً ابن الله ؟ وإنما قالوا : هو ابن الله من أجل أن عزيراً كان في أهل الكتاب ، وكانت التوراة عندهم يعلمون بها ما شاء الله تعالى أن يعلموا ، ثم أضاعوها وعملوا بغير الحق ، وكان التابوت فيهم فلما رأى الله تعالى أنهم قد أضاعوا التوراة وعملوا بالأهواء رفع الله عنهم التابوت ، وأنساهم التوراة ، ونسخها من صدورهم ، وأرسل عليهم مرضاً فاستطلقت بطونهم منهم حتى جعل الرجل يمشي كبده حتى نسوا التوراة ونسخت من صدورهم ، وفيهم عزير كان من علمائهم فدعا عزير الله عز وجل وابتهل إليه أن يرد إليه الذي نسخ من صدره ، فبينما هو يصلي مبتهلاً إلى الله تعالى نزل نور من الله فدخل جوفه ، فعاد إليه الذي كان ذهب من جوفه من التوراة ، فأذن في قومه فقال : يا قوم قد آتاني الله التوراة ردها إليّ ، فعلق يعلمهم فمكثوا ما شاء الله أن يمكثوا وهو يعلمهم ، ثم إن التابوت نزل عليهم بعد ذلك وبعد ذهابه منهم ، فلما رأوا التابوت عرضوا ما كانوا فيه على الذي كان عزير يعلمهم فوجدوه مثله ، فقالوا : والله ما أوتي عزير هذا إلا أنه ابن الله .

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { وقالت اليهود عزير ابن الله } قال : قالها رجل واحد اسمه فنحاص .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كن نساء بني إسرائيل يجتمعن بالليل فيصلين ويعتزلن ويذكرن ما فضل الله تعالى به على بني إسرائيل وما أعطاهم ، ثم سلط عليهم شر خلقه بختنصر فحرق التوراة وخرب بيت المقدس ، وعزير يومئذ غلام فقال عزير : أو كان هذا ؟ ! فلحق الجبال والوحش فجعل يتعبد فيها ، وجعل لا يخالط الناس ، فإذا هو ذات يوم بامرأة عند قبر وهي تبكي فقال : يا أمة الله اتقي الله واحتسبي واصبري ، أما تعلمين أن سبيل الناس إلى الموت ؟ ! فقالت : يا عزير اتنهاني أن أبكي وأنت خلفت بني إسرائيل ولحقت بالجبال والوحش ؟ قالت : إني لست بامرأة ولكني الدنيا ، وأنه سينبع في مصلاك عين وتنبت شجرة ، فاشرب من العين وكل من ثمرة الشجرة ، فإنه سيأتيك ملكان فاتركهما يصنعان ما أرادا . فلما كان من الغد نبعت العين ونبتت الشجرة فشرب من ماء العين وأكل من ثمرة الشجرة ، وجاء ملكان ومعهما قارورة فيها نور فأوجراه ما فيها ، فألهمه الله التوراة فجاء فأملاه على الناس ، فقالوا عند ذلك : عزير بن الله ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .

وأخرج أبو الشيخ عن كعب رضي الله عنه قال : دعا عزير ربه عز وجل أن يلقي التوراة كما أنزل على موسى عليه السلام في قلبه ، فأنزلها الله تعالى عليه ، فبعد ذلك قالوا : عزير ابن الله .

وأخرج أبو الشيخ عن حميد الخراط رضي الله عنه . أن عزيراً كان يكتبها بعشرة أقلام في كل أصبع قلم .

وأخرج أبو الشيخ عن الزهري رضي الله عنه قال : كان عزير يقرأ التوراة ظاهراً ، وكان قد أعطي من القوة ما أن كان ينظر في شرف السحاب ، فعند ذلك قالت اليهود : عزير ابن الله .

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال : إنما قالت اليهود عزير ابن الله لأنهم ظهرت عليهم العمالقة فقتلوهم وأخذوا التوراة ، وهرب علماؤهم الذين بقوا فدفنوا كتب التوراة في الجبال ، وكان عزير يتعبد في رؤوس الجبال لا ينزل إلا في يوم عيد ، فجعل الغلام يبكي يقول : رب تركت بني إسرائيل بغير عالم ؟ فلم يزل يبكيهم حتى سقط أشفار عينيه ، فنزل مرة إلى العيد فلما رجع إذا هو بامرأة قد مثلت له عند قبر من تلك القبور تبكي ، تقول : يا مطعماه يا كاسياه . . . ! فقال لها : ويحك من كان يطعمك أو يكسوك أو يسقيك قبل هذا الرجل ؟ ! قالت : الله . قال : فإن الله حي لم يمت . قالت : يا عزير فمن كان يعلم العلماء قبل بني إسرائيل ؟ قال : الله . قالت : فلم تبكي عليهم ؟ فلما عرف أنه قد خصم ولى مدبراً . فدعته فقالت : يا عزير إذا أصبحت غداً فائت نهر كذا وكذا فاغتسل فيه ، ثم أخرج فصل ركعتين فإنه يأتيك شيخ فما أعطاك فخذه . فلما أصبح انطلق عزير إلى ذلك النهر فاغتسل فيه ثم خرج فصلى ركعتين ، فأتاه شيخ فقال : افتح فمك . ففتح فمه فألقمه فيه شيئاً كهيئة الجمرة العظيمة مجتمع كهيئة القوارير ثلاث مرات ، فرجع عزير وهو من أعلم الناس بالتوراة فقال : يا بني إسرائيل إني قد جئتكم بالتوراة . فقالوا له : ما كنت كذاباً ؟ ؟ فعمد فربط على كل أصبع له قلماً ، ثم كتب بأصابعه كلها فكتب التوراة ، فلما رجع العلماء أخبروا بشأن عزير ، واستخرج أولئك العلماء كتبهم التي كانوا رفعوها من التوراة في الجبال ، وكانت في خواب مدفونة فعرضوها بتوراة عزيز ، فوجدوها مثلها فقالوا : ما أعطاك الله إلا وأنت ابنه .

وأخرج ابن مردويه وابن عساكر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ثلاث أشك فيهن . فلا أدري أعزير كان نبياً أم لا ، ولا أدري أَلعن تبعاً أم لا ، قال : ونسيت الثالثة » .

وأخرج البخاري في تاريخه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : لما كان يوم أحد شجَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وكسرت رباعيته ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ رافعاً يديه يقول « إن الله عز وجل اشتد غضبه على اليهود أن قالوا عزير ابن الله ، واشتد غضبه على النصارى إن قالوا المسيح ابن الله ، وإن الله اشتد غضبه على من أراق دمي وآذاني في عترتي » .

وأخرج ابن النجار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال عزير : يا رب ما علامة من صافيته من خلقك ؟ فأوحى الله إليه : أن أقنعه باليسير وأدَّخر له في الآخرة الكثير .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما { يضاهئون قول الذين كفروا من قبل } قال : قالوا مثل ما قال أهل الأديان .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله { يضاهئون قول الذين كفروا من قبل } يقول : ضاهت النصارى قول اليهود قبلهم فقالت النصارى : المسيح ابن الله . كما قالت اليهود : عزير ابن الله .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { قاتلهم الله } قال : لعنهم الله ، وكل شيء في القرآن قتل فهو لعن .

وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { قاتلهم الله } قال : كلمة من كلام العرب .