الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ عُزَيۡرٌ ٱبۡنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَى ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ ٱللَّهِۖ ذَٰلِكَ قَوۡلُهُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡۖ يُضَٰهِـُٔونَ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبۡلُۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} (30)

وقوله سبحانه : { وَقَالَتِ اليهود عُزَيْرٌ } [ التوبة : 30 ] . الذي كثر في كُتُب أهْل العلم ؛ أنَّ فرقةً من اليهود قالَتْ هذه المقالة وروي أنه قالها نَفَرٌ يسير منهم فِنحْاص وغيره ، قال النَّقَّاش : ولم يبق الآن يهودي يقولها ، بل انقرضوا .

قال ( ع ) : فإِذا قالها ولو واحدٌ من رُؤسَائهم ، توجَّهت شنعة المقالة علَى جماعتهم ، وحكَى الطبريُّ وغيره ؛ أن بني إِسرائيل أصابتهم فتن وجلاء ، وقيل : مَرَض ، وأذهب اللَّه عنهم التَّوْراة في ذلك ، ونَسُوها ، وكان علماؤهم قد دَفَنُوها أول ما أحسُّوا بذلك البلاء ، فلما طالَتْ المدة ، فُقِدَت التوراة جملةً ، فحفَّظها اللَّهُ عُزَيْراً ؛ كرامةً منه له ، فقال لبني إِسرائيل : إِن اللَّهَ قد حفَّظني التوراةَ ، فجعلوا يَدْرُسُونها من عنْده ، ثم إِن التوراة المدْفُونَة وِجِدَتْ ، فإِذا هي مساويةٌ لما كان عَزَيْرٌ يدرِّس ، فضَلُّوا عند ذلك ، وقالوا : إِن هذا لم يتهيَّأْ لعُزَيْرٍ إِلاَ وهو ابن اللَّه ، نعوذُ باللَّه من الضَّلال .

وقوله : { بأفواههم } ، أي : بمجرَّد الدعوَى من غير حُجَّة ولا برهان ، و{ يضاهئون } قراءةُ الجماعة ، ومعناه : يحاكُون ويماثلون ، والإشارة بقوله : { الذين كَفَرُوا مِن قَبْلُ } إِما لمشركي العرب ، إِذ قالوا : الملائكة بناتُ اللَّهِ ؛ قاله الضَّحَّاك ، وإِما لأممٍ سالفةٍ قبلها ، وإِما للصَّدْر الأول من كَفَرة اليهودِ والنَصَارَى ، ويكون { يضاهئون } لمعاصرِي النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وإِن كان الضمير في { يضاهئون } للنصارَى فقطْ ، كانت الإِشارة ب{ الذين كَفَرُوا مِن قَبْلُ } إلى اليهود ؛ وعلى هذا فسَّر الطبريُّ ، وحكاه غيره عن قتادة .

وقوله : { قاتلهم الله } : دعاءٌ عليهم عامٌّ لأنواع الشَّر ، وعن ابن عباس ؛ أن المعنَى : لعنهم اللَّه . قال الداوديُّ : وعن ابن عباس قاتلهم اللَّه : لعنهم اللَّه ، وكلُّ شيء في القُرآن : قَتَلَ ، فهو لَعْن ، انتهى .

و{ أنى يُؤْفَكُونَ } ، أَي : يُصْرَفُون عن الخَيْر .