بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ عُزَيۡرٌ ٱبۡنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَى ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ ٱللَّهِۖ ذَٰلِكَ قَوۡلُهُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡۖ يُضَٰهِـُٔونَ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبۡلُۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} (30)

قوله تعالى :

{ وَقَالَتِ اليهود عُزَيْرٌ ابن الله } . قرأ عاصم والكسائي { عُزَيْرٌ } بالتنوين ، وقرأ الباقون بغير تنوين فمن قرأ بالتنوين ، لأن الابن خبر وليس بنسبة ، ومن قرأ بغير التنوين فلالتقاء الساكنين ؛ كما قرأ بعضهم { قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 ] بغير تنوين . فلا اختلاف بين النحويين أن إثبات التنوين أجود من طريق أهل اللغة ، وإنما قالت اليهود ، لأنه لما خرب بُخْتُنَصَّر بيت المقدس وأحرق التوراة ، حزنوا على ذهاب التوراة ، فأملاها عليهم عزير صلوات الله عليه عن ظهر قلبه فتعلموها وفي أنفسهم منها شيء ، مخافة أن يكون قد زاد فيها أو نقص منها شيئاً ؛ فبينما هم كذلك ، إذ وقعوا على جراب مدفونة في قرية فيها التوراة ، فعارضوا بها على ما كتبوا من عزير عليه السلام فلم يزد شيئاً ولم ينقص حرفاً ، فقالوا عند ذلك : ما علم عزير هذا ، إلا وهو ابن الله .

{ وَقَالَتِ النصارى المسيح ابن الله } ؛ وإنما قالوا ذلك ، لأن المسيح كان يبرىء الأكمه والأبرص ، ويحيي الموتى بإذن الله تعالى ؛ فقالوا : لم يكن يفعل هذا إلا وهو ابن الله . ويقال : إنّ الإفراط في كل شيء مذموم ، لأن النصارى أفرطوا في حب عيسى عليه السلام تغالوا ، وقالوا فيه ما قالوا حتى كفروا بسبب ذلك ؛ واليهود أفرطوا بحب عزير ، وقالوا فيه ما قالوا حتى كفروا ؛ كما أفرطت الروافض في حب عليّ حتى أبغضوا غيره وروي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما ، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما .

ثم قال تعالى : { ذلك قَوْلُهُم بأفواههم } ، يعني : { ذلك } كذبهم بألسنتهم ، ويقال : معناه يقولون بأفواههم قولاً بلا فائدة ، ولا برهان ، ولا معنى صحيح تحته . ثم قال : { يضاهئون قَوْلَ الذين كَفَرُواْ } ؛ يعني : يوافقون قول الذين كفروا { مِن قَبْلُ } ، حين قالوا : الملائكة بنات الله . وقال قتادة : يشبهون قول الذين كفروا ، يعني : إنّ قول اليهود يوافق قول النصارى ، وقول النصارى يوافق قول اليهود ؛ ويقال : يتشابهون في قولهم هذا من تقدم من كفر منهم ، يعني : إنما قالوا اتباعاً لهم بدليل قوله تعالى : { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم } . قرأ عاصم { يضاهئون } بكسر الهاء مع الهمزة ، وهي لغة لبعض العرب ؛ وقرأ الباقون بالسكون بغير همزة وهي اللغة المعروفة ؛ وقال القتبي : { يضاهون } يعني : يشبهون ، يعني : قول من كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى قول أوليهم الذين كانوا قبلهم .

ثم قال : { قاتلهم الله } ، يعني : لعنهم الله . { أنى يُؤْفَكُونَ } ، يعني : من أين يكذبون بتوحيد الله تعالى .