15- فلأجل وحدة الدين ، وعدم التفرق فيه ، فادعهم إلى إقامة الدين ، وثابر على تلك الدعوة كما أمرك الله ، ولا تساير أهواء المشركين ، وقل : آمنت بجميع الكتب التي أنزلها الله على رسله ، وأمرني الله بإقامة العدل بينكم ، وقل لهم : الله خالقنا وخالقكم ، لنا أعمالنا لا لكم ، ولكم أعمالكم لا لنا ، لا احتجاج بيننا وبينكم لوضوح الحق . الله يجمع بيننا للفصل بالعدل ، وإليه - وحده - المرجع والمآل .
اشتملت هذه الآية الكريمة على عشر كلمات مستقلات ، كل منها منفصلة عن التي قبلها ، [ لها ] {[25798]} حكم برأسه - قالوا : ولا نظير لها سوى آية الكرسي ، فإنها أيضا عشرة {[25799]} فصول كهذه .
قوله {[25800]} { فَلِذَلِكَ فَادْعُ } أي : فللذي أوحينا إليك من الدين الذي وصينا به جميع المرسلين قبلك أصحاب الشرائع الكبار المتبعة كأولي العزم وغيرهم ، فادعُ الناس إليه .
وقوله : { وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ } أي : واستقم أنت ومن اتبعك على عبادة الله ، كما أمركم الله عز وجل .
وقوله : { وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ } يعني : المشركين فيما اختلقوه ، وكذبوه وافتروه من عبادة الأوثان .
وقوله : { وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ } أي : صدقت بجميع الكتب المنزلة من السماء على
الأنبياء لا نفرق {[25801]} بين أحد منهم .
وقوله : { وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ } أي : في الحكم كما أمرني الله .
وقوله : { اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } أي : هو المعبود ، لا إله غيره ، فنحن نقر بذلك اختيارا ، وأنتم وإن لم تفعلوه اختيارا ، فله يسجد من في العالمين طوعا وإختيارا .
وقوله : { لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } أي : نحن برآء منكم ، كما قال تعالى : { وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ } [ يونس : 41 ] .
وقوله : { لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ } قال مجاهد : أي لا خصومة . قال السدي : وذلك قبل نزول آية السيف . وهذا مُتَّجَهٌ لأن هذه الآية مكية ، وآية السيف بعد الهجرة .
وقوله : { اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا } أي : يوم القيامة ، كقوله : { قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ } [ سبأ : 26 ] .
وقوله : { وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ } أي : المرجع والمآب يوم الحساب .
اللام في قوله : { فلذلك } قالت فرقة : هي بمنزلة إلى ، كما قال تعالى : { بأن ربك أوحى لها }{[10121]} أي إليها ، كأنه قال : فإلى ما وصى به الأنبياء من التوحيد { فادع } ، وقالت فرقة : بل هي بمعنى من أجل كأنه قال : فمن أجل أن الأمر كذا ولكونه كذا { فادع } أنت إلى ربك وبلغ ما أرسلت به . وخوطب عليه السلام بأمر الاستقامة ، وقد كان مستقيماً ، بمعنى : دم على استقامتك ، وهكذا الشأن في كل مأمور بشيء هو متلبس به إنما معناه الدوام ، وهذه الآية ونحوها كانت نصب عين النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت شديدة الموقع من نفسه ، أعني قوله تعالى : { فاستقم كما أمرت }{[10122]} [ هود : 112 ] لأنها جملة تحتها جميع الطاعات وتكاليف النبوءة ، وفي هذا المعنى قال عليه السلام : «شيبتني هود وأخواتها » ، فقيل له : لم ذلك ؟ فقال : لأن فيها { فاستقم كما أمرت } [ هود : 112 ] وهذا الخطاب له عليه السلام بحسب قوته في أمر الله تعالى وقال هو لأمته بحسب ضعفهم استقيموا ولن تحصوا{[10123]} .
وقوله تعالى : { ولا تتبع أهواءهم } يعني قريشاً فيما كانوا يهوونه من أن يعظم آلهتهم وغير ذلك ، ثم أمره تعالى أن يؤمن بالكتب المنزلة قبله من عند الله ، وهو أمر يعم سائر أمته .
وقوله تعالى : { وأمرت لأعدل بينكم } قالت فرقة : اللام في { لأعدل } بمعنى : أن ، التقدير : بأن أعدل بينكم . وقالت فرقة المعنى : وأمرت بما أمرت به من التبليغ والشرع لكي أعدل بينكم ، فحذف من الكلام ما يدل الظاهر عليه .
وقوله : { ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم } إلى آخر الآية منسوخ ما فيه من موادعة بآية السيف .
وقوله : { لا حجة بيننا وبينكم } أي لا جدال ولا مناظرة ، قد وضح الحق وأنتم تعاندون ، وفي قوله تعالى : { الله يجمع بيننا } وعيد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.