المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ عَلِيٌّ حَكِيمٞ} (51)

51- وما صح لأحد من البشر أن يُكلمه الله إلا وحياً بالإلقاء في القلب إلهاماً ، أو مناماً ، أو بإسماع الكلام الإلهي دون أن يرى السامع من يكلمه ، أو بإرسال ملك يرى صورته ، ويسمع صوته ، ليوحي بإذن الله ما يشاء ، إن الله قاهر فلا يمانع ، بالغ الحكمة في تصرفاته وتدبيره .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ عَلِيٌّ حَكِيمٞ} (51)

هذه مقامات{[25975]} الوحي بالنسبة إلى جناب الله ، عز وجل ، وهو أنه تعالى تارة يقذف في روع النبي صلى الله عليه وسلم شيئا لا يتمارى فيه أنه من الله عز وجل ، كما جاء في صحيح ابن حبان ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن رُوح القُدُس نفث في رُوعي : أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب " {[25976]} .

وقوله : { أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } كما كلم موسى ، عليه السلام ، فإنه سأل الرؤية بعد التكليم ، فحجب عنها .

وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجابر بن عبد الله : " ما كلم الله أحدا إلا من وراء حجاب ، وإنه كلم أباك كفاحا " الحديث{[25977]} ، وكان [ أبوه ]{[25978]} قد قتل يوم أحد ، ولكن هذا في عالم البرزخ ، والآية إنما هي في الدار{[25979]} الدنيا .

وقوله : { أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ } كما ينزل جبريل [ عليه السلام ] {[25980]} وغيره من الملائكة على الأنبياء ، عليهم السلام ، { إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } ، فهو علي عليم خبير حكيم .


[25975]:- (1) في ت: "مقدمات".
[25976]:- (2) ورواه البغوي في شرح السنة (14/304) من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن زبيد اليامي عمن أخبره عن ابن مسعود به.
[25977]:- (3) رواه الترمذي في السنن برقم (3010) وقال: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه".
[25978]:- (4) زيادة من ت، أ.
[25979]:- (5) في ت: "دار".
[25980]:- (6) زيادة من م.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ عَلِيٌّ حَكِيمٞ} (51)

{ وما كان لبشر } وما صح له . { أن يكلمه الله إلا وحيا } كلاما خفيا يدرك لأنه بسرعة تمثيل ليس في ذاته مركبا من حروف مقطعة تتوقف على تموجات متعاقبة ، وهو ما يعم المشافه به كما روي في حديث المعراج ، وما وعد به في حديث الرؤية والمهتف به كما اتفق لموسى في طوى والطور ، ولكن عطف قوله : { أو من وراء حجاب } عليه يخصه بالأول فالآية دليل على جواز الرؤية لا على امتناعها . وقيل المراد به الإلهام والإلقاء في الروع أو الوحي المنزل به الملك إلى الرسل فيكون المراد بقوله : { أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء } أو يرسل إليه نبيا فيبلغ وحيه كما أمره ، وعلى الأول المراد بالرسول الملك الموحي إلى الرسل ، ووحيا بما عطف عليه منتصب بالمصدر لأن { من وراء حجاب } ظرفا وقعت أحوالا ، وقرأ نافع { أو يرسل } برفع اللام . { إنه علي } عن صفات المخلوقين . { حكيم } يفعل ما تقتضيه حكمته فيكلم تارة بوسط ، وتارة بغير وسط إما عيانا وإما من وراء حجاب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ عَلِيٌّ حَكِيمٞ} (51)

وقوله تعالى : { وما كان لبشر أن يكلمه الله } الآية نزلت بسبب خوض كان للكفار في معنى تكليم الله موسى ونحو ذلك ، ذهبت قريش واليهود في ذلك إلى تجسيم ونحوه ، فنزلت الآية مبينة صورة تكليم الله عباده كيف هو ، فبين الله أنه لا يكون لأحد من الأنبياء ولا ينبغي له ولا يمكن فيه أن يكلمه الله إلا بأن يوحي إليه أحد وجوه الوحي من الإلهام . قال مجاهد ، والنفث في القلب{[10173]} . وقال النقاش : أو وحي في منام ؟ قال إبراهيم النخعي : كان من الأنبياء من يخط له في الأرض ونحو هذا ، أو بأن يسمعه كلامه دون أن يعرف هو للمتكلم جهة ولا حيزاً كموسى عليه السلام ، وهذا معنى : { من وراء حجاب } أي من خفاء عن المتكلم لا يحده ولا يتصور بذهنه عليه ، وليس كالحجاب في الشاهد ، أو بأن يرسل إليه ملكاً يشافهه بوحي الله تعالى . وقرأ جمهور القراء والناس : «أو يرسلَ » بالنصب «فيوحيَ » بالنصب أيضاً . وقرأ نافع وابن عامر وأهل المدينة : «أو يرسلُ » بالرفع «فيوحيَ » بالنصب أيضاً . وقرأ نافع وابن عامر وأهل المدينة : «أو يرسلُ » بالرفع «فيوحي » بسكون الياء ورفع الفعل . فأما القراءة الأولى فقال سيبويه : سألت الخليل عنها فقال : هي محمولة على { أن } غير التي في قوله : { أن يكلمه الله } لأن المعنى كان يفسد لو عطف على هذه ، وإنما التقدير في قوله : { وحياً } إلا أن يوحي وحياً .

وقوله : { من وراء حجاب } ، { من } متعلقة بفعل يدل ظاهر الكلام عليه ، تقديره : أو يكلمه من وراء حجاب ، ثم عطف : «أو يرسل » على هذا الفعل المقدر .

وأما القراءة الثانية فعلى أن «يرسل » في موضع الحال أو على القطع ، كأنه قال : أو هو يرسل ، وكذلك يكون قوله : { إلا وحياً } مصدر في موضع الحال ، كما تقول : أتيتك ركضاً وعدواً ، وكذلك قوله : { من وراء حجاب } في موضع الحال كما هو قوله : { ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين }{[10174]} في موضع الحال ، فكذلك { من } [ آل عمران : 46 ] وما عملت فيه هذه الآية أيضاً ، ثم عطف قوله : «أو يرسلَ » على هذه الحال المتقدمة . وفي هذه الآية دليل على أن الرسالة من أنواع التكليم ، وأن الحالف المرسل حانث إذا حلف أن لا يكلم إنساناً فأرسل إليه وهو لم ينو المشافهة وقت يمينه{[10175]} .


[10173]:كقوله صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها واجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب)، رواه ابن حبان.
[10174]:الآية (46) من سورة (آل عمران).
[10175]:إنما كان حانثا لأن الله تعالى سمى المرسل في الآية: مكلما للمرسل إليه، أما إذا نوى عند الحلف المشافهة فإنه لا يحنث.