غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ عَلِيٌّ حَكِيمٞ} (51)

24

ثم أكد كمال القدرة بقوله { وما كان لبشر } أي وما صح لأحد { أن يكلمه الله إلا } على أحد ثلاثة أنحاء : الأول الوحي وهو الإلهام أو المنام كما أوحى إلى أم موسى وإلى إبراهيم عليه السلام في ذبح ولده . وعن مجاهد أن داود عليه السلام ألهمه الزبور فكتبه حفظاً . الثاني التكليم بلا واسطة ولكن من وراء حجاب . والمجسمة استدلوا به على أنه تعالى في جهة فإن الاحتجاب لا يصح إلا من ذي جهة ومكان ، وأجيب بأن هذا مثل لأنه إذا سمع الصوت ولا يرى الشخص كان بمنزلة ما يسمع من وراء حجاب كما كلم موسى ويكلم الملائكة . وقيل : حجاب عن إدراك ذلك الكلام لا المتكلم . وقيل : حجاب لموضع الكلام . الثالث أن يرسل رسولاً كجبرائيل فيوحي الملك بإذن الله إلى النبي ما يشاؤه الله . والأقسام الثلاثة كلها من قبيل الوحي ولكنه سبحانه جعل الوحي في الآية خاصاً بالأول ، وتقدير الكلام : وما صح أن يكلم أحداً إلا موحياً أو مسمعاً من وراء حجاب أو مرسلاً أو إلا وحياً أو إسماعاً أو إرسالاً ، أو إلا أن يوحى أو يسمع أو يرسل . ومن قرأ بالرفع فعلى الاستئناف بمعنى أو هو يرسل أو على الحال بمعنى مرسلاً عطفاً على { وحياً } بمعنى موحياً . وقيل : الوحي هو الوحي إلى الرسل بواسطة الملائكة ، وإرسال الرسل إرسال الأنبياء إلى الأمم ، فإن الصحيح عند أهل الحق أن الشيطان لا يقدر على إلقاء الباطل في أثناء الوحي . وقد يقال : إن توجيه التكليف إلى العبد لا يتم إلا بثلاث مراتب من المعجزات ، وذلك أن التسلسل محال فلا بد من سماع الملك كلام الله بلا واسطة . فالملك يحتاج إلى معجزة تدل على أن ذلك الكلام كلام الله ، وإذا بلغ الملك ذلك الكلام إلى النبي فلا بد للنبي من مشاهدة معجزة تدل على صدقه ، وإذا بلغ الرسول لأمته فالأمر كذلك . وهذا الثالث مشهور متفق عليه ، وأما الأولان فعلهما يعرفان بنور الباطن ولا يفتقر إلى المعجزة لا في أول الأمر ولا كل مرة . قال أهل التصديق : إن الأقسام الثلاثة اجتمعت لنبينا صلى الله عليه وسلم ، لأنه في بدء الإسلام كان يرى الرؤيا الصادقة كفلق الصبح ، وسمع الكلام من وراء الحجاب ليلة المعراج ، وكان يأتيه جبرائيل إلى آخر عمره فلهذا قال عز من قائل : { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } .

/خ24