مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{۞وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ عَلِيٌّ حَكِيمٞ} (51)

{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ } وما صح لأحد من البشر { أَن يُكَلّمَهُ الله إِلاَّ وَحْياً } أي إلهاماً كما روي «نفث في روعي » أو رؤيا في المنام كقوله عليه السلام " رؤيا الأنبياء وحي " وهو كأمر إبراهيم عليه السلام بذبح الولد { أَوْ مِن وَرَآءِ } حِجَابٍ أي يسمع كلاماً من الله كما سمع موسى عليه السلام من غير أن يبصر السامع من يكلمه . وليس المراد به حجاب الله تعالى لا يجوز عليه ما يجوز على الأجسام من الحجاب ولكن المراد به أن السامع محجوب عن الرؤية في الدنيا { أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً } أي يرسل ملكاً { فَيُوحِىَ } أي الملك إليه . وقيل : وحياً كما أوحي إلى الرسل بواسطة الملائكة { أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً } أي نبياً كما كلم أمم الأنبياء على ألسنتهم . و { وَحْياً } و { أَن يُرْسِلَ } مصدران واقعان موقع الحال لأن { أَن يُرْسِلَ } في معنى إرسالاً و { مِن وَرَاء حِجَابٍ } ظرف واقع موقع الحال كقوله { وعلى جُنُوبِهِمْ } [ آل عمران : 191 ] . والتقدير : وما صح أن يكلم أحداً إلا موحياً أو مسمعاً من وراء حجاب أو مرسلاً . ويجوز أن يكون المعنى : وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا بأن يوحي أو أن يسمع من وراء حجاب أو أن يرسل رسولاً وهو اختيار الخليل ، { أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِىَ } بالرفع : نافع على تقدير أو هو يرسل { بِإِذْنِهِ } إذن الله { مَا يَشَآءُ } من الوحي { إِنَّهُ عَلِىٌّ } قاهر فلا يمانع { حَكِيمٌ } مصيب في أقواله وأفعاله فلا يعارض .