ولما بين تعالى حال قدرته وعلمه وحكمته أتبعه ببيان أنه كيف يخص أنبياءه بوحيه وكلامه فقال تعالى : { وما كان } أي : وما صح { لبشر } من الأقسام المذكورة وحل المصدر الذي هو اسم كان ليقع التصريح بالفاعل والمفعول على أتم الوجوه فقال تعالى : { أن يكلمه } وأظهر موضع الإضمار إعظاماً للوحي وتشريفاً لمقداره فقال تعالى : { الله } أي : يوجد الملك الأعظم الجامع بصفات الكمال في قلبه كلاماً { إلا } أن يوحي إليه { وحياً } أي : كلاماً خفياً يوجده فيه بغير واسطة بوجه خفي لا يطلع عليه أحد إما بمشافهة كما ورد في حديث المعراج ، وإما بإلهام أو رؤية منام كما رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أن يذبح ولده ، أو بغير ذلك سواء خلق الله تعالى في المتكلم قوة السماع له وهو أشرف هذه الأقسام أم لا ومن الثاني قوله تعالى : { وأوحينا إلى أمّ موسى } ( القصص : 7 ) { وأوحى ربك إلى النحل } ( النحل : 68 ) { وأوحى في كل سماء أمرها } ( فصلت : 12 ) { أو } إلا { من وراء حجاب } أي : من وجه لا يرى فيه المتكلم مع السماع للكلام على وجه الجهر كما وقع لموسى عليه السلام { أو يرسل رسولاً } من الملائكة إما جبريل عليه السلام أو غيره .
تنبيه : ذكر المفسرون : أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ألا تكلم الله تعالى وتنظر إليه إن كنت نبياً كما كلمه موسى ونظر إليه ؟ فقال : «لم ينظر موسى إلى الله عز وجل فأنزل الله تعالى { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً } ، { فيوحي } أي : الرسول إلى المرسل إليه أن يكلمه { بإذنه } أي : الله تعالى { ما يشاء } أي : الله عز وجل ، وقرأ نافع برفع اللام من يرسل وسكون الياء من يوحي والباقون بنصب اللام والياء أما القراءة الأولى ففيها ثلاثة أوجه ؛ أحدها : أنه رفع على إضمار مبتدأ ، أي : هو يرسل ، ثانيها : أنه عطف على وحياً على أنه حال لأن وحياً في تقدير الحال أيضاً فكأنه قال : إلا موحياً إليه أو مرسلاً ، ثالثها : أن يعطف على ما يتعلق به من وراء إذ تقديره أو يسمع من وراء حجاب ووحياً في موضع الحال عطف عليه ذلك المقدر المعطوف عليه أو يرسل ، والتقدير : إلا موحياً أو مسمعاً من وراء حجاب أو مرسلاً .
وأما القراءة الثانية : ففيها ثلاثة أوجه ؛ أحدها : أن يعطف على المضمر الذي يتعلق به من وراء حجاب إذ تقديره أو يكلمه من وراء حجاب وهذا الفعل المقدر معطوف على وحياً ، والمعنى : إلا بوحي أو سماع من وراء حجاب أو إرسال رسول ، ولا يجوز أن يعطف على أن يكلمه لفساد المعنى إذ يصير التقدير : وما كان لبشر أن يرسل الله رسولاً بل يفسد لفظاً ومعنى ، وقال مكي : لأنه يلزم منه نفي الرسل ونفي المرسل إليهم ، ثانيها : أن ينصب بأن مضمرة وتكون هي وما نصبته معطوفين على وحياً ووحياً حال فيكون هذا أيضاً حالاً والتقدير : إلا موحياً أو مرسلاً ، ثالثها : أنه معطوف على معنى وحياً فإنه مصدر مقدر بأن والفعل والتقدير : إلا بأن يوحي إليه أو بأن يرسل ذكره مكي وأبو البقاء { إنه } أي : هذا الذي له هذا التصرف العظيم في هذا الوحي الكريم { علي } أي : بالغ العلو جداً عن صفات المخلوقين { حكيم } يفعل ما تقتضيه حكمته فيكلم تارة بواسطة وتارة بغير واسطة إما عياناً وإما من وراء حجاب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.