التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{۞وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ عَلِيٌّ حَكِيمٞ} (51)

قوله تعالى : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ( 51 ) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( 52 ) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ } .

قالت اليهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تكلِّم الله وتنظر إليه وإن كنت نبيًّا كما كلم الله موسى ونظر إليه ؟ فإنا لن نؤمن بك حتى تفعل ذلك . فقال : " لم ينظر موسى إلى الله " وأنزلت الآية{[4121]} { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا } يعني ما ينبغي لبشر من ذرية آدم أن يكلمه ربه إلا أن يوحي إليه وحيا . والمراد بالوحي هنا : نفث يُنفَثُ في قلبه فيكون إلهاما . وجاء في ذلك صحيح ابن حبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن روح القدس نفث في رُوعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب " والرُّوع ، بالضم معناه القلب والعقل . والروع بفتح الراء معناه الفزع . والروعة ، الفزعة . {[4122]}

قوله : { أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } يعني أو يكلمه بحيث يسمع كلامه ولا يراه كما كلَّم نبيه موسى عليه الصلاة والسلام . وقد ذكر أن موسى سأل ربه الرؤية بعد التكلم فحجب عنها . قوله : { أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ } يعني أو يرسل الله من الملائكة رسولا كجبريل أو غيره فيوحي هذا الرسول بإذن الله على المرسل إليه ما يشاء اللهُ أن يوحيه إليه من أمر أو نهي أو خبر أو تحذير أو غير ذلك .

قوله : { إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } يعظِّم الله نفسه مبيِّنا أنه رفيع الدرجات والمعالي . وما من شيء إلا هو هابط دون عليائه وجبروته . وهو كذلك ذو حكمة بالغة في قوله وفعله وتدبيره .


[4121]:أسباب النزول للنيسابوري ص 252.
[4122]:مختار الصحاح ص 263.