المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ مُخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ كَذَٰلِكَۗ إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰٓؤُاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (28)

28- ومن الناس والدواب والإبل والبقر والغنم مختلف ألوانه كذلك في الشكل والحجم واللون . وما يتدبر هذا الصنع العجيب ويخشى صانعه إلا العلماء الذين يدركون أسرار صنعه ، إن الله غالب يخشاه المؤمنون ، غفور كثير المحو لذنوب من يرجع إليه{[188]} .


[188]:بعد استعراض تباين الثمرات والجبال والناس والدواب والأنعام، وقد يشار إلى أن وراء هذا التباين في تلك الأحوال جميعها وحدة في الأصل: فالثمرات من ماء واحد، والجبال من صهارة واحدة، وكذلك اختلاف الألوان والناس والدواب والأنعام لا يظهر في النطف التي تنشأ منها، ولو فحصت بالمجاهر القوية فإنها في مظاهرها لا تشير إلى شيء مما تكنه من أوجه الاختلاف وإنما هي دقائق وأسرار تحتويها في داخلها (جيناتها أو موزياتها) وربما كان هنا إشارة أيضا إلى أن الخصائص الوراثية الكامنة في جراثيم النبات والحيوان والإنسان تحافظ على فطرتها ولا تتغير بالبيئة أو الغذاء، وأحق الناس بخشية الله هم العلماء الذين عرفوا أسرار اختلاف هذه الموجودات.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ مُخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ كَذَٰلِكَۗ إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰٓؤُاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (28)

27

ثم ألوان الناس . وهي لا تقف عند الألوان المتميزة العامة لأجناس البشر . فكل فرد بعد ذلك متميز اللون بين بني جنسه . بل متميز من توأمه الذي شاركه حملاً واحداً في بطن واحدة !

وكذلك ألوان الدواب والأنعام . والدواب أشمل والأنعام أخص . فالدابة كل حيوان . والأنعام هي الإبل والبقر والغنم والماعز ، خصصها من الدواب لقربها من الإنسان . والألوان والأصباغ فيها معرض كذلك جميل كمعرض الثمار ومعرض الصخور سواء .

هذا الكتاب الكوني الجميل الصفحات العجيب التكوين والتلوين ، يفتحه القرآن ويقلب صفحاته ويقول :

إن العلماء الذين يتلونه ويدركونه ويتدبرونه هم الذين يخشون الله :

( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) . .

وهذه الصفحات التي قلبها في هذا الكتاب هي بعض صفحاته ، والعلماء هم الذين يتدبرون هذا الكتاب العجيب . ومن ثم يعرفون الله معرفة حقيقية . يعرفونه بآثار صنعته . ويدركونه بآثار قدرته . ويستشعرون حقيقة عظمته برؤية حقيقة إبداعه . ومن ثم يخشونه حقاً ويتقونه حقاً ، ويعبدونه حقاً . لا بالشعور الغامض الذي يجده القلب أمام روعة الكون . ولكن بالمعرفة الدقيقة والعلم المباشر . . وهذه الصفحات نموذج من الكتاب . . والألوان والأصباغ نموذج من بدائع التكوين الأخرى وبدائع التنسيق التي لا يدركها إلا العلماء بهذا الكتاب . العلماء به علماً واصلاً . علماً يستشعره القلب ، ويتحرك به ، ويرى به يد الله المبدعة للألوان والأصباغ والتكوين والتنسيق في ذلك الكون الجميل .

إن عنصر الجمال يبدو مقصوداً قصداً في تصميم هذا الكون وتنسيقه . ومن كمال هذا الجمال أن وظائف الأشياء تؤدى عن طريق جمالها . هذه الألوان العجيبة في الأزهار تجذب النحل والفراش مع الرائحة الخاصة التي تفوح . ووظيفة النحل والفراش بالقياس إلى الزهرة هي القيام بنقل اللقاح ، لتنشأ الثمار . وهكذا تؤدي الزهرة وظيفتها عن طريق جمالها ! . . والجمال في الجنس هو الوسيلة لجذب الجنس الآخر إليه ، لأداء الوظيفة التي يقوم بها الجنسان . وهكذا تتم الوظيفة عن طريق الجمال .

الجمال عنصر مقصود قصداً في تصميم هذا الكون وتنسيقه . ومن ثم هذه اللفتات في كتاب الله المنزل إلى الجمال في كتاب الله المعروض .

( إن الله عزيز غفور ) . .

عزيز قادر على الإبداع وعلى الجزاء . غفور يتدارك بمغفرته من يقصرون في خشيته ، وهم يرون بدائع صنعته .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ مُخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ كَذَٰلِكَۗ إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰٓؤُاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (28)

{ ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك } كاختلاف الثمار والجبال . { إنما يخشى الله من عباده العلماء } إذ شرط الخشية معرفة المخشي والعلم بصفاته وأفعاله ، فمن كان اعلم به كان أخشى منه ولذلك قال عليه الصلاة والسلام " أني أخشاكم لله وأتقاكم له " ولذلك أتبعه بذكر أفعاله الدالة على كمال قدرته ، وتقديم المفعول لأن المقصود حصر الفاعلية ولو آخر انعكس الأمر . وقرئ برفع اسم الله ونصب العلماء على أن الخشية مستعارة للتعظيم فإن المعظم يكون مهيبا . { إن الله عزيز غفور } تعليل لوجوب الخشية لدلالته على أنه معاقب للمصر على طغيانه غفور للتائب عن عصيانه .