هذا هو الإسلام كما يريده الله ؛ ولا عبرة بالإسلام كما تريده أهواء البشر في جيل منكود من أجيال الناس ! ولا كما تصوره رغائب أعدائه المتربصين به ، وعملائهم هنا أو هناك !
فأما الذين لا يقبلون الإسلام على النحو الذي أراده الله ، بعدما عرفوا حقيقته ، ثم لم تقبلها أهواؤهم ، فهمفي الآخرة من الخاسرين . ولن يهديهم الله ، ولن يعفيهم من العذاب :
( كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم ، وشهدوا أن الرسول حق ، وجاءهم البينات . والله لا يهدي القوم الظالمين . أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون ) . .
وهي حملة رعيبة يرجف لها كل قلب فيه ذرة من إيمان ؛ ومن جدية الأمر في الدنيا وفي الآخرة سواء . وهو جزاء حق لمن تتاح له فرصة النجاة ، ثم يعرض عنها هذا الإعراض .
فقوله تعالى : { كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ } أي : قامتْ عليهم الحُجَجُ والبراهين على صدق ما جاءهم به الرسولُ ، وَوَضَح لهم الأمرُ ، ثم ارتدوا إلى ظُلْمة الشرك ، فكيف يستحق هؤلاء الهداية بعد ما تَلَبَّسُوا به من العماية ؛ ولهذا قال : { وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } .
{ كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات } استبعاد لأن يهديهم الله فإن الحائد عن الحق بعد ما وضح له منهمك في الضلال بعيد عن الرشاد . وقيل نفي وإنكار له وذلك يقتضي أن لا تقبل توبة المرتد ، { وشهدوا } عطف على ما في { إيمانهم } من معنى الفعل ونظيره فأصدق وأكن ، أو حال بإضمار قد من كفروا وهو على الوجهين دليل على أن الإقرار باللسان خارج عن حقيقة الإيمان . { والله لا يهدي القوم الظالمين } الذين ظلموا أنفسهم بالإخلال بالنظر ووضع الكفر موضع الإيمان فكيف من جاءه الحق وعرفه ثم أعرض عنه .
استئناف ابتدائي يناسب ما سبقه من التنويه بشرف الإسلام .
{ وكيف } استفهام إنكاري والمقصود إنكار أن تحصل لهم هداية خاصة وهي إما الهداية الناشئة عن عناية الله بالعبد ولطفه به ، وإسنادها إلى الله ظاهر ؛ وإما الهداية الناشئة عن إعمال الأدلة والاستنتاج منها ، وإسنادُها إلى الله لأنّه موجد الأسباب ومسبّباتها . ويجوز أن يكون الاستفهام مستعملاً في الاستبعاد ، فإنهم آمنوا وعلموا ما في كتب الله ، ثمّ كفروا بعد ذلك بأنبيائهم ، إذ عبدَ اليهود الأصنام غير مرة ، وعبد النصارى المسِيح ، وقد شهدوا أنّ محمداً صادق لقيام دلائل الصدق ، ثم كابروا ، وشككوا الناس . وجاءتهم الآيات فلم يتعظوا ، فلا مطمع في هديهم بعد هذه الأحوال ، وإنما تسري الهداية لمن أنصف وتهيّأ لإدراك الآيات دون القوم الذين ظلموا أنفسهم . وقيل نزلت في اليهود خاصّة . وقيل نزلت في جماعة من العرب أسلموا ثم كفروا ولحقوا بقريش ثم ندموا فراسلوا قومهم من المسلمين يسألونهم هل من توبة فنزلت ، ومِنهم الحارث بن سويد ، وأبو عامر الراهب ، وطُعيمة بن أُبَيْرِق .
وقوله : { وشهدوا } عطف على { إيمانهم } أي وشهادتهم ، لأنّ الاسم الشبيه بالفعل في الاشتقاق يحسن عطفه على الفعل وعطفُ الفعل عليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.