لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{كَيۡفَ يَهۡدِي ٱللَّهُ قَوۡمٗا كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ وَشَهِدُوٓاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقّٞ وَجَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (86)

قوله عز وجل : { كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم } نزلت في اثني عشر رجلاً ارتدوا عن الإسلام وخرجوا من المدينة وأتوا مكة كفاراً منهم الحارث بن سويد الأنصاري وطعمة بن أبيرق وحجوج بن الأسلت . وقال ابن عباس : نزلت في اليهود والنصارى وذلك أن اليهود كانوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم يستفتحون به على الكفار ويقرون به ويقولون : قد أظل زمان نبي مبعوث ، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم كفروا به بغياً وحسداً . ومعنى كيف يهدي الله ، كيف يرشد الله للصواب ويوفق للإيمان قوماً كفروا أي جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم أي تصديقهم إياه وإقرارهم به وبما جاء به من عند ربه { وشهدوا أن الرسول حق } يعني وبعد أن أقروا وشهدوا أن محمداً رسول الله إلى خلقه وأنه حق وصدق { وجاءهم البينات } يعني الحجج والبراهين والمعجزات الدالة على صحة نبوته التي بمثلها ثبتت النبوة { والله لا يهدي القوم الظالمين } أي لا يوفقهم إلى الحق والصواب لما سبق في علمه تعالى أنهم ظالمون ، وقيل لا يهديهم في الآخرة إلى الجنة والثواب . فإن قلت : كيف قال في أول الآية كيف يهدي الله قوماً كفروا وقال في آخرها والله لا يهدي القوم الظالمين وهذا تكرار ؟ قلت : ليس فيه تكرار لأن قوله كيف يهدي الله قوماً كفروا إنما هو مختص بأولئك المرتدين عن الإسلام ثم إنه تعالى عمم ذلك الحكم في آخر الآية فقال : { والله لا يهدي القوم الظالمين } يعني جميع الكفار المرتدين عن الإسلام والكافر الأصلي وإنما سمي الكافر ظالماً لأنه وضع العبادة في غير موضعها .