الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{كَيۡفَ يَهۡدِي ٱللَّهُ قَوۡمٗا كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ وَشَهِدُوٓاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقّٞ وَجَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (86)

وقوله تعالى : { كَيْفَ يَهْدِي الله قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إيمانهم . . . } [ آل عمران :86 ] .

قال ابنُ عَبَّاس : نَزَلَتْ هذه الآياتُ من قوله : { كَيْفَ يَهْدِي الله } في الحارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ الأنْصَارِيِّ ، كان مُسْلِماً ، ثم ارتد ، وَلحِقَ بالشرك ، ثم نَدِمَ ، فأرْسَلَ إلَى قَوْمِهِ ، أنْ سَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فنزلَتِ الآياتُ إلى قوله : { إِلاَّ الذين تَابُواْ } ، فأرسلَ إلَيْهِ قومُهُ ، فأسْلَمَ ، قال مجاهدٌ : وحَسُنَ إسْلاَمُهُ ، وقال ابنُ عَبَّاسٍ أيضًا والحَسَنُ بْنُ أبي الحَسَنِ : نَزلَتْ في اليَهُودِ والنصارى ، شهدوا ببَعْثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وآمنوا به ، فلَمَّا جاء من العَرَب ، حَسَدُوه ، وكَفَرُوا به ، ورجَّحه الطبري .

وقال النقِّاش : نزلَتْ في طُعَيْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ .

قال ( ع ) : وكُلُّ مَنْ ذُكِرَ ، فألفاظ الآيةِ تعمُّه .

وقوله تعالى : { كَيْفَ } سؤالٌ عن حال لكنَّه سؤال توقيفٍ على جهة الاستبعادِ للأمْر ، فالمعنى أنهم لشدَّة هذه الجرائِمِ يبعد أنْ يهديَهُم اللَّه جميعًا ، وباقي الآيةِ بيِّن .

قال الفَخْر : واستعظم تعالى كُفْرَ هؤلاء المرتدِّين ، بَعْدَ حصولِ هذه الخِصَالِ الثَّلاث ، لأن مثل هذا الكُفْر يكونُ كالمعانَدَة والجُحُود ، وهذا يدلُّ على أنَّ زَلَّة العالِمِ أقبَحُ مِنْ زلَّة الجَاهل ، اه .