الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{كَيۡفَ يَهۡدِي ٱللَّهُ قَوۡمٗا كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ وَشَهِدُوٓاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقّٞ وَجَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (86)

{ كَيْفَ يَهْدِى الله قَوْمًا } كيف يلطف بهم وليسوا من أهل اللطف ، لما علم الله من تصميمهم على كفرهم ، ودل على تصميمهم بأنهم كفروا بعد إيمانهم وبعد ما شهدوا بأن الرسول حق ، وبعدما جاءتهم الشواهد من القرآن وسائر المعجزات التي تثبت بمثلها النبوّة وهم اليهود كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كانوا مؤمنين به ؛ وذلك حين عاينوا ما يوجب قوّة إيمانهم من البينات . وقيل : نزلت في رهط كانوا أسلموا ثم رجعوا عن الإسلام ولحقوا بمكة ، منهم طعمة بن أبيرق ، وَوَحْوَحُ بن الأسلت ، والحرث بن سويد بن الصامت .

فإن قلت : علام عطف قوله { وَشَهِدُواْ } ؟ قلت : فيه وجهان : أن يعطف على ما في إيمانهم من معنى الفعل ؛ لأن معناه بعد أن آمنوا ، كقوله تعالى : { فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن } [ المنافقين : 10 ] وقول الشاعر :

. . . لَيْسُوا مُصْلِحِينَ عَشِيرَةً*** وَلاَ نَاعِبٍ . . . . . . . . . . . .

ويجوز أن تكون الواو للحال بإضمار «قد » بمعنى كفروا وقد شهدوا أن الرسول حق { والله لاَ يَهْدِي } لا يلطف بالقوم الظالمين المعاندين الذين علم أن اللطف لا ينفعهم .