45- وأنذرهم - أيها الرسول - يوم نجمعهم للحساب ، فيتحققون مجيء اليوم الآخر بعد أن كانوا يكذبون به ، ويتذكرون حياتهم في الدنيا ، كأنها ساعة من النهار لم تتسع لما كان ينبغي من عمل الخير ، ويعرف بعضهم بعضا ، يتلاومون على ما كانوا عليه من الكفر والضلال . قد خسر المكذبون باليوم الآخر ، فلم يقدموا في دنياهم عملا صالحاً ، ولم يظفروا بنعيم الآخرة بكفرهم .
بعد ذلك يلمس وجدانهم لمسة خاطفة بمشهد من مشاهد القيامة ، تبدو فيه الحياة الدنيا التي تزحم حسهم ، وتشغل نفوسهم ، وتأكل اهتماماتهم . . رحلة سريعة ، قضاها الناس هناك ، ثم عادوا إلى مقرهم الدائم ودارهم الأصيلة .
( ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم . قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله ، وما كانوا مهتدين ) . .
وفي هذه الجولة الخاطفة ننظر فإذا المحشورون مأخوذون بالمفاجأة ، شاعرون أن رحلتهم الدنيوية كانت قصيرة قصيرة ، حتى لكأنها ساعة من نهار قضوها في التعارف ، ثم أسدل الستار .
أو هذا مجرد تشبيه لهذه الحياة الدنيا ، وللناس الذين دخلوا ثم خرجوا ، كأن لم يفعلوا شيئاً سوى اللقاء والتعارف ?
إنه لتشبيه ، ولكنه حق اليقين وإلا فهل ينتهي البشر في هذه الأرض من عملية التعارف ? إنهم يجيئون ويذهبون وما يكاد أحدهم ينتهي من التعرف إلى الآخرين ، وما تكاد الجماعة فيهم تنتهي من التعرف إلى الجماعات الأخرى . ثم يذهبون .
وإلا فهل هؤلاء الأفراد الذين يتنازعون ويتعاركون ويقع من سوء التفاهم بينهم وبين بعضهم في كل ساعة ما يقع . . . هل هؤلاء تم تعارفهم كما ينبغي أن يكون ?
وهذه الشعوب المتناحرة ، والدول المتخاصمة - لا تتخاصم على حق عام ، ولا على منهج سليم ، إنما تتعارك على الحطام والأعراض - هذه . هل عرف بعضها بعضاً ? وهي ما تكاد تفرغ من خصام حتى تدخل في خصام .
إنه تشبيه لتمثيل قصر الحياة الدنيا . ولكنه يصور حقيقة أعمق فيما يكون بين الناس في هذه الحياة . . ثم يرحلون !
وفي ظل هذا المشهد تبدو الخسارة الفادحة لمن جعلوا همهم كله هو هذه الرحلة الخاطفة ، وكذبوا بلقاء الله ، وشغلوا عنه واستغرقوا في تلك الرحلة - بل تلك الومضة - فلم يستعدوا لهذا اللقاء بشيء يلقون به ربهم ؛ ولم يستعدوا كذلك بشيء للإقامة الطويلة في الدار الباقية :
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لّمْ يَلْبَثُوَاْ إِلاّ سَاعَةً مّنَ النّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الّذِينَ كَذّبُواْ بِلِقَآءِ اللّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } .
يقول تعالى ذكره : ويوم نحشر هؤلاء المشركين فنجمعهم في موقف الحساب ، كأنهم كانوا قبل ذلك لم يلبثوا إلا ساعة من نهار يتعارفون فيما بينهم ، ثم انقطعت المعرفة وانقضت تلك الساعة . يقول الله : قَدْ خَسِرَ الّذِينَ كَذّبُوا بِلِقاء اللّهِ وَما كانُواّ مُهْتَدِينَ ، قد غبن الذين جحدوا ثواب الله وعقابه وحظوظهم من الخير ، وهلكوا . وما كَانُوا مُهْتَدِينَ يقول : وما كانوا موفقين لإصابة الرشد مما فعلوا من تكذيبهم بلقاء الله لأنه أكسبهم ذلك ما لا قبَل لهم به من عذاب الله .
{ ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار } يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا أو في القبور لهول ما يرون ، والجملة التشبيهية في موضع الحال أي يحشرهم مشبهين بمن لم يلبث إلا ساعة ، أو صفة ليوم والعائد محذوف تقديره : كأن لم يلبثوا قبله أو لمصدر محذوف ، أي : حشراً كأن لم يلبثوا قبله . { يتعارفون بينهم } يعرف بعضهم بعضا كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلا ، وهذا أول ما نشروا ثم ينقطع التعارف لشدة الأمر عليهم وهي حال أخرى مقدرة ، أو بيان لقوله : { كأن لم يلبثوا } أو متعلق الظرف والتقدير يتعارفون يوم يحشرهم . { قد خسر الذين كذّبوا بلقاء الله } استئناف للشهادة على خسرانهم والتعجب منه ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في يتعارفون على إرادة القول . { وما كانوا مُهتدين } لطرق استعمال ما منحوا من المعاون في تحصيل المعارف فاستكسبوا بها جهالات أدت بهم إلى الردى والعذاب الدائم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.