فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ كَأَن لَّمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيۡنَهُمۡۚ قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ} (45)

{ و } اذكر { يوم نحشرهم } أي المشركين المنكرين للبعث لموقف الحساب واصل الحشر إخراج الجماعة وإزعاجهم من مكانهم أي إحياؤهم من القبور { كأن } { لم يلبثوا } أي مشبهين بمن لم يلبث { إلا ساعة من النهار } أي شيئا قليلا .

والمراد باللبث هو اللبث في الدنيا وقيل في القبور ، استقلوا المدة الطويلة إما لأنهم ضيعوا أعمارهم في الدنيا فجعلوا وجودها كالعدم أو استقصروها للدهش والحيرة أو لطول وقوفهم في المحشر أو لشدة ما هم فيه من العذاب ، نسوا لذات الدنيا وكأنها لم تكن ومثل هذا قولهم { لبثنا يوما أو بعض يوم } أو لأن مقامهم في الدنيا في جنب مقامهم في الآخرة قليل جدا .

والمراد بالساعة الزمن القليل فإنها مثل في غاية القلة وتخصيصها بالنهار لأن ساعاته أعرف حالا من ساعات الليل .

{ يتعارفون بينهم } أي يعرف بعضهم بعضا كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلا ، بيان وتقرير لما سبق وذلك يقع في الحشر الذي هو الاجتماع أي في ابتدائه وينقطع في أثنائه وقيل عند خروجهم من القبور ثم ينقطع التعارف بينهم لما بين أيديهم من الأمور المدهشة للعقول المذهلة للأفهام وأما البعث فلا تعارف فيه لعدم الاجتماع الذي هو لازمه .

وهذا أحد وجهين في المقام ذكره البيضاوي وأبو البقاء وغالب المفسرين على خلافه وهو تفسير الحشر بالبعث من القبور وجرى على هذا أبو السعود والخازن والقرطبي وقيل عن هذا التعارف هو تعارف التوبيخ والتقريع يقول بعضهم لبعض أنت أضللتني وأغويتني لا تعارف شفقة ورأفة كما قال تعالى { ولا يسأل حميم حميما } وقوله تعالى { فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } فيجمع بأن المراد بالتعارف هو تعارف التوبيخ ، وعليه يحمل قوله { ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول } وقوله تعالى { كلما دخلت أمة } الآية وقوله { ربنا إنا أطعنا سادتنا } الآية قال القرطبي : وهو الصحيح .

وقد جمع بين الآيات المختلفة في مثل هذا وغيره بأن المواقف يوم القيامة مختلفة فقد يكون في بعض المواقف ما لا يكون في الآخر .