لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ كَأَن لَّمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيۡنَهُمۡۚ قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ} (45)

قوله سبحانه وتعالى : { ويوم يحشرهم } يعني : واذكر يا محمد يوم نجمع هؤلاء المشركين لموقف الحساب . وأصل الحشر : إخراج الجماعة وإزعاجهم من مكانهم { كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار } يعني كأنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا قدر ساعة من النهار . وقيل : معناه كأنهم لم يلبثوا في قبورهم إلا قدر ساعة من النهار . والوجه الأول أولى ، لأن حال المؤمن والكافر سواء في عدم المعرفة بمقدار لبثهم في القبور إلى وقت الحشر ، فتعين حمله على أمر يختص بحال الكافر وهو أنهم لما لم ينتفعوا بأعمارهم في الدنيا استقلوها . والمؤمن لما انتفع بعمره في الدنيا لم يستقله . وسبب استقلال الكفار : مدة مقامهم في الدنيا أنهم لما ضيعوا أعمارهم في طلب الدنيا والحرص على ما فيها ولم يعملوا بطاعة الله فيها كان وجود ذلك كالعدم فلذلك استقلوه . وقيل : إنهم لما شاهدوا أهوال يوم القيامة وطال عليهم ذلك ، استقلوا مدة مقامهم في الدنيا ، لأن مقامهم في الدنيا في جنب مقامهم في الآخرة قليل جداً { يتعارفون بينهم } يعني : يعرف بعضهم بعضاً إذا خرجوا من قبورهم كما كانوا يتعارفون في الدنيا ثم تنقطع المعرفة بينهم إذا عاينوا أهوال يوم القيامة ، وفي بعض الآثار : أن الإنسان يوم القيامة يعرف من بجنبه ولا يقدر أن يكلمه هيبة وخشية ، وقيل : إن أحوال يوم القيامة مختلفة ففي بعضها يعرف بعضها بعضاً وفي بعضها ينكر بعضهم بعضاً لهول ما يعاينون في ذلك اليوم { قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله } يعني أن من باع آخرته الباقية بدنياه الفانية قد خسر لأنه أثر الفاني على الباقي { وما كانوا مهتدين } يعني إلى ما يصلحهم وينجيهم من هذا الخسار .