غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ كَأَن لَّمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيۡنَهُمۡۚ قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ} (45)

42

ثم ذكر وعيد الكفار فقال : { ويوم يحشرهم } أي واذكر يوم يحشرهم { كأن لم يلبثوا } في محل النصب على الحال أي مشبهين بمن لم يلبث { إلا ساعة } وقوله { يتعارفون } إما حال أخرى أو بيان لقوله : { كأن لم يلبثوا } لأن التعارف لا يبقى مع طول العهد . ويجوز أن يكون قوله : { ويوم يحشرهم } متعلقاً ب { يتعارفون } والمراد باللبث . قيل : لبثهم في الدنيا وقيل في القبور استقلوا المدد الطوال إما لأنهم ضيعوا أعمارهم في الدنيا فجعلوا وجودها كالعدم واستقصروها للدهش والحيرة ، أو لطول وقوفهم في الحشر ، أو لشدة ما هم فيه من العذاب نسوا لذات الدنيا واستحقروها . وأما التعارف فقد قيل : يعرّف بعضهم بعضاً ما كانوا عليه من الخطإ والكفر وقيل : يعرف كل واحد أهل معرفته . والجمع بين ذلك وبين قوله : { ولا يسأل حميم حميماً } [ المعارج : 10 ] أن هذا تعارف توبيخ وتضليل يقول كل فريق لصاحبه أنت أضللتني يوم كذا ، أو أنهم يتعارفون إذا بعثوا ثم تنقطع المعرفة . وإنما حذف «جميعاً » في هذه الآية اكتفاء بما في الآية السابقة { ويوم نحشرهم جميعاً ثم نقول للذين أشركوا } [ الأنعام : 22 ] ولأن الآية سيقت هناك لبيان حشر العابدين والمعبودين فأكد بقوله : { جميعاً } ليشمل الفريقين صريحاً والله أعلم . قوله : { قد خسر } استئناف فيه معنى التعجب كأنه قيل : ما أخسرهم ! وفيه شهادة من الله على خسرانهم . وجوز في الكشاف أن يكون على إرادة القول أي يتعارفون بينهم قائلين ذلك . ثم أكد خسرانهم بقوله : { وما كانوا مهتدين } أي في رعاية مصالح هذه التجارة لأنهم أعطوا الكثير الشريف الباقي وقنعوا بالقليل الخسيس الفاني كمن رأى زجاجة خسيسة فظنها جوهرة نفيسة فاشتراها بكل ماله ، فإذا عرضها على الناقدين خاب سعيه وفات أمله .

/خ60