المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّـٰبِـِٔينَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (62)

62- إن الذين آمنوا من الأنبياء من قبل ، واليهود والنصارى ، ومن يقدسون الكواكب والملائكة ، من آمن برسالة محمد بعد بعثته ، ووحَّد الله تعالى وآمن بالبعث والحساب يوم القيامة ، وعمل الأعمال الصالحة في دنياه ، فهؤلاء لهم ثوابهم المحفوظ عند ربهم ، ولا يلحقهم خوف من عقاب . ولا ينالهم حزن على فوات ثواب ، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّـٰبِـِٔينَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (62)

40

ولم يشهد تاريخ أمة ما شهده تاريخ إسرائيل من قسوة وجحود واعتداء وتنكر للهداة . فقد قتلوا وذبحوا ونشروا بالمناشير عددا من أنبيائهم - وهي أشنع فعلة تصدر من أمة مع دعاة الحق المخلصين - وقد كفروا أشنع الكفر ، واعتدوا أشنع الاعتداء ، وعصوا أبشع المعصية . وكان لهم في كل ميدان من هذه الميادين أفاعيل ليست مثلها أفاعيل !

ومع هذا كله فقد كانت لهم دعاوى عريضة عجيبة . كانوا دائما يدعون أنهم هم وحدهم المهتدون ، وهم وحدهم شعب الله المختار ، وهم وحدهم الذين ينالهم ثواب الله ؛ وأن فضل الله لهم وحدهم دون شريك . . وهنا يكذب القرآن هذه الدعوى العريضة ، ويقرر قاعدة من قواعده الكلية ، التي تتخلل القصص القرآني ، أو تسبقه أو تتلوه . يقرر قاعدة وحدة الإيمان . . ووحدة العقيدة ، متى انتهت إلى إسلام النفس لله ، والإيمان به إيمانا ينبثق منه العمل الصالح . وإن فضل الله ليس حجرا محجورا على عصبية خاصة ، إنما هو للمؤمنين أجمعين ، في كل زمان وفي كل مكان ، كل بحسب دينه الذي كان عليه ، حتى تجيء الرسالة التالية بالدين الذي يجب أن يصير المؤمنون إليه :

( إن الذين آمنوا ، والذين هادوا ، والنصارى ، والصابئين - من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا - فلهم أجرهم عند ربهم ، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) . .

والذين آمنوا يعني بهم المسلمين . والذين هادوا هم اليهود - إما بمعنى عادوا إلى الله ، وإما بمعنى أنهم أولاد يهوذا - والنصارى هم اتباع عيسى - عليه السلام - والصابئون : الأرجح أنهم تلك الطائفة من مشركي العرب قبل البعثة ، الذي ساورهم الشك فيما كان عليه قومهم من عبادة الأصنام ، فبحثوا لأنفسهم عن عقيدة يرتضونها ، فاهتدوا إلى التوحيد ، وقالوا : إنهم يتعبدون على الحنيفية الأولى ، ملة إبراهيم ، واعتزلوا عبادة قومهم دون أن تكون لهم دعوة فيهم . فقال عنهم المشركون : إنهم صبأوا - أي مالوا عن دين آبائهم - كما كانوا يقولون عن المسلمين بعد ذلك . ومن ثم سموا الصابئة . وهذا القول أرجح من القول بأنهم عبدة النجوم كما جاء في بعض التفاسير .

والآية تقرر أن من آمن بالله واليوم الآخر من هؤلاء جميعا وعمل صالحا ، فإن لهم أجرهم عند ربهم ، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون . فالعبرة بحقيقة العقيدة ، لا بعصبية جنس أو قوم . . وذلك طبعا قبل البعثة