المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ حُرُمَٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥ عِندَ رَبِّهِۦۗ وَأُحِلَّتۡ لَكُمُ ٱلۡأَنۡعَٰمُ إِلَّا مَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡۖ فَٱجۡتَنِبُواْ ٱلرِّجۡسَ مِنَ ٱلۡأَوۡثَٰنِ وَٱجۡتَنِبُواْ قَوۡلَ ٱلزُّورِ} (30)

30- ومَنْ يلتزم أوامر الله ونواهيه في حجه تعظيماً لها في نفسه كان ذلك خيراً له في دنياه وآخرته ، وقد أحل الله لكم أكل لحوم الإبل والبقر والغنم إلا في حالات تعرفونها مما يُتْلى عليكم في القرآن كالميتة وغيرها ، فاجتنبوا عبادة الأوثان لأن عبادتها قذارة عقلية ونفسية لا تليق بالإنسان ، واجتنبوا قول الزور على الله وعلى الناس .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ حُرُمَٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥ عِندَ رَبِّهِۦۗ وَأُحِلَّتۡ لَكُمُ ٱلۡأَنۡعَٰمُ إِلَّا مَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡۖ فَٱجۡتَنِبُواْ ٱلرِّجۡسَ مِنَ ٱلۡأَوۡثَٰنِ وَٱجۡتَنِبُواْ قَوۡلَ ٱلزُّورِ} (30)

{ 30 - 31 } { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ *حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }

{ ذَلِكَ } الذي ذكرنا لكم من تلكم الأحكام ، وما فيها من تعظيم حرمات الله وإجلالها وتكريمها ، لأن تعظيم حرمات الله ، من الأمور المحبوبة لله ، المقربة إليه ، التي من عظمها وأجلها ، أثابه الله ثوابا جزيلا ، وكانت خيرا له في دينه ، ودنياه وأخراه عند ربه .

وحرمات الله : كل ماله حرمة ، وأمر باحترامه ، بعبادة أو غيرها ، كالمناسك كلها ، وكالحرم والإحرام ، وكالهدايا ، وكالعبادات التي أمر الله العباد بالقيام بها ، فتعظيمها إجلالها بالقلب ، ومحبتها ، وتكميل العبودية فيها ، غير متهاون ، ولا متكاسل ، ولا متثاقل ، ثم ذكر منته وإحسانه بما أحله لعباده ، من بهيمة الأنعام ، من إبل وبقر وغنم ، وشرعها من جملة المناسك ، التي يتقرب بها إليه ، فعظمت منته فيها من الوجهين ، { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } في القرآن تحريمه من قوله : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ } الآية ، ولكن الذي من رحمته بعباده ، أن حرمه عليهم ، ومنعهم منه ، تزكية لهم ، وتطهيرا من الشرك به وقول الزور ، ولهذا قال : { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ } أي : الخبث القذر { مِنَ الْأَوْثَانِ } أي : الأنداد ، التي جعلتموها آلهة مع الله ، فإنها أكبر أنواع الرجس ، والظاهر أن { من } هنا ليست لبيان الجنس ، كما قاله كثير من المفسرين ، وإنما هي للتبعيض ، وأن الرجس عام في جميع المنهيات المحرمات ، فيكون منهيا عنها عموما ، وعن الأوثان التي هي بعضها خصوصا ، { وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ } أي : جميع الأقوال المحرمات ، فإنها من قول الزور الذي هو الكذب ، ومن ذلك شهادة الزور فلما نهاهم عن الشرك والرجس وقول الزور .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ حُرُمَٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥ عِندَ رَبِّهِۦۗ وَأُحِلَّتۡ لَكُمُ ٱلۡأَنۡعَٰمُ إِلَّا مَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡۖ فَٱجۡتَنِبُواْ ٱلرِّجۡسَ مِنَ ٱلۡأَوۡثَٰنِ وَٱجۡتَنِبُواْ قَوۡلَ ٱلزُّورِ} (30)

وقوله تعالى : { ذلك } يحتمل أن يكون في موضع رفع بتقدير فرضكم ذلك أو الواجب ذلك ، ويحتمل أن يكون في موضع نصب بتقدير امتثلوا ذلك ونحو هذا الإضمار ، وأحسن الأشياء مضمراً أحسنها ومظهراً ونحو هذه الإشارة البليغة قول زهير : [ البسيط ]

هذا وليس كمن يعطي بخطته . . . وسط الندى إذا ما قائل نطقا{[8370]}

والحرمات المقصودة ها هنا في أفعال الحج المشار إليها في قوله { ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم } ويدخل في ذلك تعظيم المواضع ، قاله ابن زيد وغيره ، ووعد على تعظيمها بعد ذلك تحريضاً ، وتحريصاً ، ثم لفظ الآية بعد ذلك يتناول كل حرمة لله تعالى في جميع الشرع .

وقوله تعالى : { فهو خير } ، ظاهره أنها ليست للتفضيل وإنما هي عدة بخير ، ويحتمل أن يجعل { خير } للتفضيل على تجوز في هذا الموضع ، وقوله تعالى : { أحلت } إشارة إلى ما كانت العرب تفعله من تحريم أشياء برأيها كالبحيرة والسائبة فأذهب الله تعالى ذلك وأحل لهم جميع { الأنعام إلا ما يتلى } عليهم في كتاب الله تعالى . في غير موضع ثم أمرهم باجتناب { الرجس من الأوثان } والكلام يحتمل معنيين أحدهما أن تكون { من } لبيان الجنس فيقع نهيه عن رجس الأوثان فيقع نهيها في غير هذا الموضع ، والمعنى الثاني أن تكون { من } لابتداء الغاية فكأنه نهاهم عن الرجس عاماً ثم عين لهم مبدأ الذي منه يلحقهم إذ عبادة الوثن جامعة لكل فساد ورجس ، ويظهر أن الإشارة إلى الذبائح التي كانت للأوثان فيكون هذا مما يتلى عليهم ، ومن قال { من } للتبعيض قلب معنى الآية ويفسده ، والمروي عن ابن عباس وابن جريج أن الآية نهي عن عبادة الأوثان ، و { الزور } ، عام في الكذب والكفر وذلك أن كل ما عدا الحق فهو كذب وباطل وزور ، وقال ابن مسعود ، وأيمن بن خريم{[8371]} وابن جريج : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «عدلت شهادة الزور بالشرك » ، وتلا هذه الآية{[8372]} ، و { الزور } مشتق من الزور وهو الميل ومنه في جانب فلان زور ويظهر أن الإشارة في زور أقوالهم في تحريم وتحليل مما كانوا قد شرعوه في الأنعام .


[8370]:البيت من قصيدة زهير بن أبي سلمى التي يمدح بها هرم بن سنان وأباه وإخوته، والتي بدأها بقوله: إن الخليط أجد البين فانفرقا وعلق القلب من أسماء ما علقا والبيت يصف هرما بالبلاغة والفصاحة، وبأنه لا يعيا بخطته في الندي، أي في مجلس القوم، وذلك بعد أن وصفه في الأبيات السابقة بالكرم وبالشجاعة، والشاهد فيه الإشارة البليغة بقوله في أول البيت: "هذا".
[8371]:هو أيمن بن خريم ـ بالمعجمة ثم الراء مصغرا ـ ابن الأخرم، الأسدي، أبو عطية الشامي الشاعر، مختلف في صحبته، وقال العجلي: تابعي ثقة.
[8372]:أخرج أحمد، والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، عن أيمن ابن خريم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال: (يا أيها الناس، عدلت شهادة الزور إشراكا بالله ـ ثلاثا ـ ثم قرأ: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور}، وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، والخرائطي في مكارم الأخلاق، والبيهقي، عن ابن مسعود قال: شهادة الزور تعدل الشرك بالله، ثم قرأ: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور}. والحديث المشهور في ذلك هو ما رواه البخاري، ومسلم، والترمذي، وأحمد، عن أبي بكرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين ـ وكان متكئا فجلس ـ فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت).