محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ حُرُمَٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥ عِندَ رَبِّهِۦۗ وَأُحِلَّتۡ لَكُمُ ٱلۡأَنۡعَٰمُ إِلَّا مَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡۖ فَٱجۡتَنِبُواْ ٱلرِّجۡسَ مِنَ ٱلۡأَوۡثَٰنِ وَٱجۡتَنِبُواْ قَوۡلَ ٱلزُّورِ} (30)

{ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ } .

{ ذلك } خبر محذوف . أي الأمر ذلك . وهو وأمثاله من أسماء الإشارة ، تطلق للفصل بين الكلامين ، أو بين وجهي كلام واحد .

قال الشهاب : والمشهور في الفصل ( هذا ) كقوله {[5526]} : { هذا ، وإن للطاغين لشر مآب } . واختيار { ذلك } هنا لدلالته على تعظيم الأمر وبعد منزلته . وهو من الاقتضاب القريب من التخلص ، لملائمة ما بعده لما قبله ، كما هنا { ومن يعظم حرمات الله } أي أحكامه أو الحرم وما يعلق وما يتعلق بالحج من المناسك و ( الحرمات ) جمع حرمة وهو ما لا يحل هتكه ، بل يحترم شرعا { فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ } أي ثوابا . و ( خير ) اسم تفضيل حذف متعلقه . أي من غيره ، أو ليس المراد به التفضيل فلا يحتاج لتقدير ، قاله الشهاب . والثاني هو الأظهر ، لأنه أسلوب التنزيل في مواضع لا يظهر التفاضل فيها . وإيثاره ، مع ذلك ، لرقة لفظه ، وجمعه بين الحسن والروعة { وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } أي آية تحريمه . وذلك قوله في سورة المائدة{[5527]} : { حرمت عليكم الميتة والدم } والمعنى : أن الله قد أحل لكم الأنعام كلها ، إلا ما استثناه في كتابه . فحافظوا على حدوده . وإياكم أن تحرموا مما أحل لكم شيئا . كتحريم عبدة الأوثان البحيرة والسائبة وغير ذلك . وأن تحلوا مما حرم الله . كإحلالهم أكل الموقوذة والميتة وغير ذلك . أفاده الزمخشري . { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ } تفريع على ما سبق من تعظيم حرماته تعالى . فإن ترك الشرك واجتناب الأوثان من أعظم المحافظة على حدوده تعالى . و ( من ) بيانية . أي فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان ، كما تجتنب الأنجاس . وهو غاية المبالغة في النهي عن تعظيمها والتنفير عن عبادتها . قال الزمخشري : سمى الأوثان رجسا وكذلك الخمر والميسر والأزلام ، على طريقة التشبيه . يعني أنكم ، كما تنفرون بطباعكم عن الرجس وتجتنبونه ، فعليكم أن تنفروا عن هذه الأشياء مثل تلك النفرة . ونبه على هذا المعنى بقوله {[5528]} : { رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } جعل العلة في اجتنابه أنه رجس ، والرجس مجتنب . وقوله تعالى : { وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور } تعميم بعد تخصيص . فإن عبادة الأوثان رأس الزور . كأنه لما حث على تعظيم الحرمات ، أتبعه ذلك ، ردا لما كانت الكفرة عليه من تحريم البحائر والسوائب . وتعظيم الأوثان والافتراء على الله تعالى بأنه حكم بذلك ، وإعلاما بأن توحيد الله ونفي الشركاء عنه ، وصدق القول ، أعظم الحرمات وأسبقها خطوا { حُنَفَاء لِلَّهِ } .


[5526]:(38 ص 55).
[5527]:(5 المائدة 3).
[5528]:'(5 المائدة 90).