مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ حُرُمَٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥ عِندَ رَبِّهِۦۗ وَأُحِلَّتۡ لَكُمُ ٱلۡأَنۡعَٰمُ إِلَّا مَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡۖ فَٱجۡتَنِبُواْ ٱلرِّجۡسَ مِنَ ٱلۡأَوۡثَٰنِ وَٱجۡتَنِبُواْ قَوۡلَ ٱلزُّورِ} (30)

{ ذلك } خبر مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك أو تقديره ليفعلوا ذلك { وَمَن يُعَظّمْ حرمات الله } الحرمة ما لا يحل هتكه وجميع ما كلفه الله عز وجل بهذه الصفة من مناسك الحج وغيرها ، فيحتمل أن يكون عاماً في جميع تكاليفه ، ويحتمل أن يكون خاصاً بما يتعلق بالحج . وقيل : حرمات الله البيت الحرام والمشعر الحرام والشهر الحرام والبلد الحرام { فَهُوَ } أي التعظيم { خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبّهِ } ومعنى التعظيم العلم بأنها واجبة المراعاة والحفظ والقيام بمراعاتها { وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنعام } أي كلها { إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ } آية تحريمه وذلك قوله { حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة } [ المائدة : 3 ] الآية . والمعنى أن الله تعالى أحل لكم الأنعام كلها إلا ما بيّن في كتابه ، فحافظوا على حدوده ولا تحرموا شيئاً مما أحل كتحريم البعض البحيرة ونحوها ، ولا تحلوا مما حرم كإحلالهم أكل الموقوذة والميتة وغيرهما . ولما حث على تعظيم حرماته أتبعه الأمر باجتناب الأوثان وقول الزور بقوله { فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان واجتنبوا قَوْلَ الزور } لأن ذلك من أعظم الحرمات وأسبقها حظراً . و { من الأوثان } بيان للرجس لأن الرجس مبهم يتناول غير شيء كأنه قيل : فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان . وسمى الأوثان رجساً على طريقة التشبيه يعني أنكم كما تنفرون بطباعكم عن الرجس فعليكم أن تنفروا عنها . وجمع بين الشرك وقول الزور أي الكذب والبهتان أو شهادة الزور وهو من الزور وهو الانحراف ، لأن الشرك من باب الزور إذ المشرك زاعم أن الوثن يحق له العبادة .