الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ حُرُمَٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥ عِندَ رَبِّهِۦۗ وَأُحِلَّتۡ لَكُمُ ٱلۡأَنۡعَٰمُ إِلَّا مَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡۖ فَٱجۡتَنِبُواْ ٱلرِّجۡسَ مِنَ ٱلۡأَوۡثَٰنِ وَٱجۡتَنِبُواْ قَوۡلَ ٱلزُّورِ} (30)

{ ذلك } خبر مبتدأ محذوف ، أي : الأمر والشأن ذلك ، كما يقدّم الكاتب جملة من كتابه في بعض المعاني ، ثم إذا أراد الخوض في معنى آخر قال : هذا وقد كان كذا . [ ( ومن يعظم حرمات الله ) ] والحرمة : ما لا يحل هتكه . وجميع ما كلفه الله تعالى بهذه الصفة من مناسك الحج وغيرها ، فيحتمل أن يكون عاماً في جميع تكاليفه ، ويحتمل أن يكون خاصاً فيما يتعلق بالحج . وعن زيد بن أسلم : الحرمات خمس : الكعبة الحرام ، والمسجد الحرام ، والبلد الحرام ، والشهر الحرام ، والمحرم حتى يحلّ . { فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ } أي فالتعظيم خير له . ومعنى التعظيم : العلم بأنها واجبة المراعاة والحفظ والقيام بمراعاتها . المتلوّ لا يستثنى من الأنعام ، ولكن المعنى { إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ } آية تحريمه ، وذلك قوله في سورة المائدة : { حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم } [ المائدة : 3 ] والمعنى : أن الله قد أحلّ لكم الأنعام كلها إلاّ ما استثناه في كتابه ، فحافظوا عل حدوده ، وإياكم أن تحرّموا مما أحلّ شيئاً ، كتحريم عبدة الأوثان البحيرة والسائبة وغير ذلك ، وأن تحلوا مما حرم الله ، كإحلالهم أكل الموقوذة والميتة وغير ذلك .

[ ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به ) ] لما حثّ على تعظيم حرماته وأحمد من يعظمها أتبعه الأمر باجتناب الأوثان وقول الزور ؛ لأن توحيد الله ونفي الشركاء عنه وصدق القول أعظم الحرمات وأسبقها خطواً . وجمع الشرك وقول الزور في قران واحد ، وذلك أن الشرك من باب الزور لأن المشرك زاعم أنّ الوثن تحق له العبادة ، فكأنه قال : فاجتنبوا عبادة الأوثان التي هي رأس الزور ، واجتنبوا قول الزور كله لا تقربوا شيئاً منه لتماديه في القبح والسماجة . وما ظنك بشيء من قبيله عبادة الأوثان . وسمى الأوثان رجساً وكذلك الخمر والميسر والأزلام ، على طريق التشبيه . يعني : أنكم كما تنفرون بطباعكم عن الرجس وتجتنبونه ، فعليكم أن تنفروا عن هذه الأشياء مثل تلك النفرة . ونبه على هذا المعنى بقوله : { رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشيطان فاجتنبوه } [ المائدة : 90 ] جعل العلة في اجتنابه أنه رجس ، والرجس مجتنب { مِنَ الأوثان } بيان للرجس وتمييز له ، كقولك : عندي عشرون من الدراهم ؛ لأنّ الرجس مبهم يتناول غير شيء ، كأنه قيل : فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان . والزور [ من الزور ] والأزورار وهو الانحراف ، كما أنّ الإفك من أفكه إذا صرفه . وقيل : { قَوْلَ الزور } [ الحج : 30 ] قولهم : هذا حلال وهذا حرام ، وما أشبه ذلك من افترائهم . وقيل : شهادة الزور . عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه صلى الصبحَ فلمّا سلّم قامَ قائماً واستقبلَ الناسَ بوجهه وقالَ : « عدلَتْ شهادةُ الزورِ الإشراك باللَّهِ ، عدلَتْ شهادةُ الزورِ الإشراك باللَّهِ ، عدلَتْ شهادةُ الزورِ الإشراك باللَّهِ » وتلا هذه الآية . وقيل : الكذب والبهتان . وقيل : قول أهل الجاهلية في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك . ويجوز في هذا التشبيه أن يكون من المركب والمفرق . فإن كان تشبيهاً مركباً فكأنه قال : من أشرك بالله فقد أهلك نفسه .