الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ حُرُمَٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥ عِندَ رَبِّهِۦۗ وَأُحِلَّتۡ لَكُمُ ٱلۡأَنۡعَٰمُ إِلَّا مَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡۖ فَٱجۡتَنِبُواْ ٱلرِّجۡسَ مِنَ ٱلۡأَوۡثَٰنِ وَٱجۡتَنِبُواْ قَوۡلَ ٱلزُّورِ} (30)

وقوله : { ذلك } [ الحج : 30 ] .

يحتمل أَنْ يكونَ في موضع رفع بتقدير : فرضكم ذلك ، أو الواجب ذلك ، ويحتمل أن يكون في محلِّ نصب بتقدير : امتثلوا ذلك ونحو هذا الإضمار ، وأَحْسَنُ الأشياءِ مُضْمَراً أحسنُهَا مظهراً ونحو هذه الإشارةِ البليغةِ قَوْلُ زُهَيْرِ : [ البسيط ]

هذا ، وَلَيْسَ كَمَنْ يَعْيَا بِخُطْبَتِهِ *** وَسْطَ النَّدِيِّ إذَا مَا نَاطِقٌ نَطَفَا

والحُرُمَاتُ المقصودة هنا هي أفعال الحج .

وقال ابن العربي في «أحكامه » : الحرمات امتثال ما أَمَرَ اللّه تعالى به ، واجتنابُ ما نهى عنه فإنَّ للقسم الأَوَّلِ حرمةَ المبادرة إلى الامتثال ، وللثاني حرمةَ الانكفاف والانزجار انتهى .

وقوله : { فَهُوَ خَيْرٌ } ظاهر أنها ليست للتفضيل ، وإنما هي عِدةٌ بخير ، ويحتمل أن يجعل { خَيْرٌ } للتفضيل على تجوز في هذا الموضع .

( ص ) : { فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ } أي : فالتعظيم خير له ، انتهى .

وقوله تعالى : { فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان } يحتمل معنيين .

أحدهما : أَنْ تكون «من » لبيان الجنس أي : الرجس الذي هو الأوثان فيقع النهي عن رِجْسِ الأوثان فقط ، وتبقى سائر الأرجاس نَهْيُهَا في غير هذا الموضع .

والمعنى الثاني : أَنْ تكون «من » لابتداء الغاية فكأنه نهاهم سبحانه عن الرجس عموماً ، ثم عَيَّنَ لهم مبدأه الذي منه يلحقهم إذ عبادة الوثن جامعةٌ لكل فساد ورجس ، ويظهر أن الإشارة إلى الذبائح التي كانت للأوثان فيكون هذا مِمَّا يُتْلَى عليهم ، والمَرْوِيُّ عن ابن عباس وابنُ جُريج : أَنَّ الآية نَهْيٌ عن عبادة الأوثان ، و{ الزور } عامٌّ في الكَذِبِ والكفر وذلك أَنَّ كُلَّ ما عدا الحق فهو كذب وباطل ، وقال ابن مسعود وغيرُه : إنَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : ( عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ بِالشِّرْكِ ، وَتَلاَ هَذِهِ الآيَةَ ) والزُّورُ : مْشْتَقٌّ من الزَّوْرِ ، وهو الميل ، ومنه في جانب فلان زور ، ويظهر أَنَّ الإشارة إلى زور أقوالهم في تحريمِ وتحليلِ ما كانوا قد شرعوا في الأنعام .